ـ(220)ـ
ثم نقف عند شاعر آخر عاش النصف الأول من القرن الثاني وردحاً من نصفه الثاني وهو السيد الحميري (105 ـ 173 هـ): إنه أبو هاشم إسماعيل بن محمّد بن يزيد بن مفرغ الحميري، ويكفي في رساليته أنّه ولد من أبوين خارجيين، يسبان علياً، لكنه هام في علي وآل بيته، وحينما علم أبواه بمذهبه هما بقتله، ففر من بيتهما وبقي بعيداً عنهما حتّى ماتا.
وحين سئل عن سبب ولائه لعلي وآل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ مع أن أبويه خارجيان، يقول: "غاصت علي الرحمة غوصاً"(1).
وتذكر الرواية أن السيد انفجر على لسانه الشعر، بسبب رؤيا مباركة، رأى فيها النبي يطلب منه أن يقلع أشجار نخل طوالاً لأمرئ القيس، ويغرسها في مكان آخر، وحين ذكر الرؤيا لابن سيرين قال لـه : "أما إنك ستقول شعراً مثل شعر امرئ القيس، إلاّ أنك تقول في بررة أطهار"(2). وهذه الرواية تبين أيضاً المنطلق الرسالي لهذا الشاعر.
أجمع الرواة أن للسيد شعراً كثيراً، وهو من أكثر الناس شعراً في الجاهلية والإسلام (3)، ولكن شعره تحومي بسبب إفراطه في ذكر الخلفاء الثلاثة بسوء وهنا أود أن أشير فقط إلى أن سبب الصحابة بدأ منذ زمن معاوية، حين أمر بسب أول الصحابة إسلاماً وأشدهم إيماناً وهو علي بن أبي طالب.
ولم يكتف أعداء علي بهذا السب، بل تستروا بالخلفاء الثلاثة لكي يطعنوا بالخليفة الرابع، فجعلوا بذلك علياً مقابل الخلفاء الثلاثة، وجعلوا مدح الخلفاء الثلاثة نوعاً من الطعن بعلي بينما لا نرى بين هؤلاء الأربعة نزاعاً في حياتهم قط ـ (وإن كانت لهم وجهات نظر متباينة)ـ، وإنّما هي السياسية الأموية، وسياسة كلّ أعداء علي، التي أرادت أن تطعن بعلي متسترة بالولاء للخلفاء الثلاثة، ولا تزال هذه السياسة المفرقة الاستفزازية
__________________________________
1 ـ الأغاني 7: 3.
2 ـ الأغاني 7: 237، ويرد على الرواية أن ابن سيرين توفي حين كان الكميت في الخامسة من عمره.
3 ـ طبقات فحول الشعراء، لابن سلام 1: 195.ومعجم الشعراء للمرزباني: 347.