ـ(219)ـ
لم أبع ديني المساوم بالوكس ــــــــــــ ولا مقلياً من السوام
أخلص الله لي هواي، فما أغرق ـــــــــ نزعاً، ولا تطيش سهامي
ولهت نفسي الطروب إليهم ــــــــــ ولهاً، حال دون طعم الطعام(1)
ويظهر من سيرة الكميت أنّه كان هائماً في حب أهل البيت إلى درجة صوفية غارقة. وكان أحب شيء إليه أن يسمع منهم دعاء لـه ، وأن يسموه شاعر أهل البيت، فيطير فرحاً ويبكي وجداً.
يروي صاحب الأغاني عن صاعد ـ مولى الكميت ـ قال: دخلنا على فاطمة بنت الحسين، فقالت: هذا شاعرنا ـ أهل البيت ـ وجاءت بقدح فيه سويق، فحركته بيدها ودفعته إليه فشربه، ثم أمرت لـه بثلاثين دينار ومركب، فهملت عيناه ثم قال: لا والله لا أقبلها، إني لم أحبكم للدنيا(2).
وروي عن محمّد بن سهل ـ صاحب الكميت ـ قال: دخلت مع الكميت على أبي عبدالله جعفر بن محمّد (الصادق) ـ عليه السلام ـ ، أيام التشريق بمنى، فقال: جعلت فداك، ألا أنشدك ؟ فقال يا كميت إنها أيام عظام، فقال: إنها فيكم، فقال: هات، وبعث الإمام إلى بعض أهل بيته فاجتمعوا ـ فأنشد لا ميته:
ألا هل عم في رأيه متأمل ـــــ وهل مدبر بعد الإساءة مقبل
فكثر البكاء حوله... حتّى إذا قال:
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم ــــ فيا آخراً اسدى لـه الغي أول
رفع الإمام الصادق يديه وقال: اللهم اغفر للكميت، ماقدم وما أخر، وما أسر وما أعلن، وأعطه حتّى يرضى(3).
وكانت هذه الدعوات أثمن هدية يتلقاها هذا العاشق الوله من أحبابه.
__________________________________
1 ـ الأبيات 89 ـ 93 من هاشميته: من لقلب متيم مستهام غير ما صبوة ولا أحلام. شرح الهاشميات 37 ـ 38.
2 ـ الغااني 15 ـ 123.
3 ـ المصدر السابق، ومروج الذهب 2: 154.