ـ(217)ـ
فالكميت يحدثنا عن عصر يحيا فيه، ويصطلي بسياسته، ويحس أن مدحه للرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ يعرضه للعيب والثلب والعنف.
والجاحظ يحكم في الرجل نظرة دينية، ويتناسى أن السياسة قد بدأت في هذا العصر تستقل عن الدين، فبغضت هذا اللون من المديح، لا لأنه مدح للرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ بل لأنه ضرب من التمرد والشغب، والخروج على السلطان، به تشرئب أعناق الهاشميين، ويلفت الناس إليهم... هذا إلى أن الجاحظ عثماني، فلا غرو أن اهتم بنفي هذه التهمة عن بني أمية، واحتشد لذلك، فعد مذهب الكميت حمقاً، بل من غرائب الحمق) (1). ويظهر من الروايات: أن الكميت جند نفسه منذ بداية انبثاق الشعر على لسانه للدفاع عن أهل البيت، ورواية صاحب الأغاني عن الحوار بين الكميت والفرزدق، تبين أيضاً اهتمام الشاعر بأن تكون كلمته في المدح قوية مؤثرة، تملك المشاعر والنفوس، حتّى جعلت شاعراً كبيراً مثل الفرزدق، يحار ويدهش أمام هذا الشاعر الناشئ.
انظر إلى هذا الحوار:
الكميت: يا أبا فراس، إنك شيخ مضر وشاعرها، وأنا ابن أخيك الكميت بن زيد. الفرزدق: صدقت، أنت ابن أخي، فما حاجتك؟
الكميت: نفث على لساني، فقلت شعراً، فأحببت أن أعرضه عليك، فأن كان حسناً، أمرتني بإذاعته، وإن كان قبيحاً، أمرتني بستره، وكنت أول من ستره علي.
فقال الفرزدق: أما عقلك فحسن، وإني لأرجو أن يكون شعرك على قدر عقلك، فأنشدني، فأنشده:
طربتُ وما شوقاً إلى البيض أطْرَبُ
فقال الفرزدق: ففيم تطرب يا ابن أخي ؟ فقال:
ولا لَعِباً منّي وذو الشّيبِ يَلعبُ
فقال الفرزدق: بلى يا ابن أخي، فالعب فأنك في أوان اللعب فقال:
__________________________________
1 ـ أدب الشيعة، عبد الحسيب طه حميدة، ط 3: 222 ـ 223.