ـ(216)ـ
والعجيب في هذه الأبيات أنّه يتحدث عمّن يؤنبه ويعنفه لمدحه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، ويصر على هذا المدح وإن عاب العائبون، وعنف وثلب القائلون.
الجاحظ يرى: أن قول الكميت هذا هو "من غرائب الحمق"، ويتساءل مستغرباً: "فمن رأى شاعراً مدح النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، فاعترض عليه واحد من جميع أصناف الناس!، حتّى يزعم أنّ أناساً يعيبونه ويثلبونه ويعنفونه"؟(1).
والشريف المرتضى رحمه الله يرى أن الكميت لم يرد في مدحه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ، وإنّما أراد عليا ـ عليه السلام ـ فوري عنه بذكر النبي خوفاً من بني أمية(2).
وأجمل ما رأيت من تحليل لمدح الكميت المذكور، ورأي النقاد فيه، ما كتبه الأستاذ الدكتور عبد الحسيب طه حميدة، أنقله بنصه لأهميته، إذ يقول:
(ونحن نرى: أن الكميت كان أعلم بأخلاق عصره من هؤلاء، وأمس بسياسته...، كان يشعر بأنه يحيا وسط دولة ترى: أن هذا اللون من مدح الرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ تزكية للهاشميين، ولفت للذهن إلى حق هؤلاء في الخلافة.
وإذا كانت السياسة قد أباحت لابن الزبير ـ على مكانته الدينية وبيته من الإسلام ـ أن يسقط ذكر النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ من خطبه، حتّى إذا ليم على ذلك، قال: والله ما يمنعني من ذكره علانية أني لا أذكره سراً، وأصلي عليه، ولكني رأيت هذا الحي من بني هاشم إذا سمعوا ذكره، اشرأبت أعناقهم، وأبغض الأشياء إلي ما يسرهم. وفي رواية: أن لـه أهيل سوء(3).
نقول: إذا كانت السياسة قد أباحت لابن الزبير هذا، فما بالك ببني أمية في عصر الكميت وقد تغيرت الأخلاق، وفسد الناس؟.
__________________________________
1 ـ البيان والتبيين 2: 172.
2 ـ الأمالي 3: 166.
3 ـ العقد الفريد 2: 157، ابن أبي الحديد 20: 489.