ـ(209)ـ
بمنقارها، وهو عظم طاهر جاف لا رطوبة فيه وغير نجس، فلا ينجس الماء بملاقاته(1).
أما إذا ضعف تأثيره وقوي تأثير مقابله الذي هو القياس فإنه يقدم عندهم القياس على الاستحسان، مثال ذلك: أن القارئ إذا تلا آية السجدة في صلاته فإنه يركع بها إنّ شاء ركوعاً غير ركوع الصلاة، ثم يعود إلى محض القيام أو ركوع الصلاة على خلاف بينهم في ذلك.
ثم يقولون: إنّ لـه السجود إذا شاء، إلاّ أن الركوع يحتاج إلى النية دون السجدة، وإذا كان في وسط السورة ينبغي أن يسجد لها، ثم يقوم فيقرأ ما بقي، فإن ركع في موضع السجدة أجزأه، فإن ختم السورة ثم ركع لم يجزئه؛ لأنها صارت في الذمة، فلا تتأدى بالركوع ولا بالسجدة الصلاتية.
وهنا يقولون: بأن الركوع يقوم مقام سجدة التلاوة، ويجزئ عنها قياساً؛ لأن الركوع والسجود متشابهان في معنى الخضوع، وفي الاستحسان لا يجوز؛ لأنا أمرنا بالسجود، والقياس أولى بالعمل؛ لقوة أثره الباطن.
والمسألة الثانية التي اختلف فيها علماء الأحناف هي: تعدية الحكم المستحسن الثابت بطريق القياس الخفي يصح أن يعدى بواسطة القياس إلى واقعة أخرى مثل: تحالف البائع والمشتري إذا اختلفا في مقدار الثمن قبل قبض المبيع، فلو مات البائع والمشتري قبل قبض المبيع واختلف ورثتهما في مقدار الثمن تحالفاً قياساً، ويتعدى هذا التحالف من المبيع إلى الإجارة قبل استيفاء المعقود عليه.
ونوقشت هذه المسألة بما يلي:
1 ـ إنّ الحكم الذي يعدى بالقياس هو الحكم الثابت بالنص، لا الثابت بالقياس؛ لأنه يشترط في القياس أن يكون حكم الأصل ثابتاً بالكتاب أو السنة.
2 ـ إنّ إثبات التحالف بين ورثة البائع والمشتري إنّما هو تطبيق للحكم الكلي لكل متداعيين وليس بالقياس. وبهذا يتبين ضعف ووهن ما قرره الحنفية.
__________________________________
1 ـ التقرير والتحبير، وشرح التحرير لابن أمير الحاج 2: 223، وأصول السرخسي 2: 203.