ـ(208)ـ
والمسألة هنا فيها رأيان:
1 ـ إنّ الأخذ بالاستحسان أرجح من القياس.
2 ـ ومن سلك مسلك القياس قد أخذ بقول مرجوح.
فإذا كان موجب القياس في الولاية على المجنون جنوناً عارضاً بعد البلوغ أن تكون الولاية لمن يعينه القاضي، باعتبار أن ولاية الأب قد انتهت بعد بلوغه وأصبح رشيداً لكن الاستحسان عند أبي حنيفة: أن تعود ولاية الأب لعودة سببها وهو الجنون(1).
والذي يظهر من التتبع: أن موجب القياس لا يمكن أن يكون قولاً لأبي حنيفة؛ لأنه لم يؤثر عنه أنّه رآه قولاً، بل إنه يترك القياس إلى الاستحسان إذا قبح القياس. ومن أنواع الاستحسان هو: ترك القياس للحديث أو للإجماع وليس للقياس موضع إزاء النص أو الإجماع.
ولقد صرح السرخسي بخطأ من يقول: إنّ موجب القياس قول في المذهب الحنفي: إنّ كان في الموضع استحسان(2).
ومثل ذلك أيضاً: سؤر سباع الطير؛ كالصقر والحدأة بالنسبة للحكم بطهارة سؤرها، فمقتضى القياس تكون نجسة السؤر، قياساً على سؤر البهائم: كالفهد والأسد والنمر؛ لأن لحم كلّ منهما نجس، فسؤر كلّ منهما نجس، فكذلك الصقر والحدأة؛ لأن الحكم باعتبار اللحم؛ لاختلاطه باللعاب المتولد من لحم نجس.
أما مقتضى الاستحسان: طهارتها قياساً على الآدمي؛ لأنهما غير مأكولي اللحم، فيقدم الاستحسان على القياس؛ لأنه أقوى تأثيراً، بعكس سباع الطير؛ لأنها تشرب
__________________________________
1 ـ كشف الأسرار 2: 1122، مسلم الثبوت 2: 279، أصول السرخسي 2: 203 مرآة الأصول شرح مرقاة الوصول 2: 236، التلويح على التوضيح 2: 82، أصول الفقه للخضري: 325.
2 ـ التقرير والتحبير 3: 223، وفواتح الرحموت 2: 223، ومسلم الثبوت 2: 279.