ـ(206)ـ
بمنزلة الكتاب والسنة والإجماع، وأصلاً من الأصول، فلا يثبت بخبر الواحد، ومهما انتفى الدليل أوجب النفي. وكان الغزالي يريد بهذا ما شاع لدى الأصوليين من أن الشك في الحجية كاف للقطع بعدمها.
وهذا الدليل تام في نفسه، إلاّ أن ادعاء عدم كفاية خبر الواحد لإثبات حجية الأصل مما لا وجه لـه بعد القبول بقيام الدليل القطعي على حجية خبر الواحد، ذلك أنّه يقطه التسلسل المشار إليه.
2 ـ إنا نعلم بأن الأمة أجمعت على أن العالم ليس لـه أن يحكم بهواه، وذلك قبل أن ياتوهم بهذا الأصل، والاستحسان مصداق للهوى والشهوة.
لكن هذا الدليل ـ أيضاً ـ تكرار للمدعى، وبعد هذا وذاك من عبارات الشافعي في الاستحسان وذمه لـه وكذلك قول الروياني: بأنّه شرع غير الشرع ـ وبطلانه ـ يتبين لنا فيما يلي (1).
أ ـ لا يجوز الحكم إلاّ بالنص أو بما يقاس على النص؛ لأن في غير ذلك شرعاً بالهوى وقد قال سبحانه وتعالى: ?وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم?(2).
ب ـ إنّ الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ما كان يفتي بالاستحسان، وإنّما كان ينتظر الوحي، ولو استحسن لما كان مخطئاً؛ لأنه لا ينطق عن الهوى.
ج ـ الاستحسان أساسه العقل، فيه يستوي العالم والجاهل، فلو جاز لأحد الاستحسان لجاز لكل إنسان أن يشرع لنفسه شرعاً جديداً.
د ـ إنّ الاستحسان ليس بحجة مستقلة خارجة عن الأدلة الأربعة المتفق عليها.
__________________________________
1 ـ راجع ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان لابن حزم: 50، الإحكام لابن حزم 6: 759، كشف الأسرار 2: 1125، والرسالة للشافعي: 507، الأم للشافعي 7: 277، المبادئ العامة للفقه الجعفري: 298، أصول الاستنباط: 264، الأصول العامة للفقه المقارن: 363، الأسنوي 3: 168 ـ 171، الاعتصام 2: 137، روضة الناظر لابن قدامة 1: 407.
2 ـ المائدة: 49.