ـ(205)ـ
السابق الذكر.
2 ـ لو كان الاستحسان جائزاً من المجتهد ـ وهو لا يعتمد على نص ولا حمل على النص، بل يعتمد على الفعل وحده ـ جاز لغيره أن يستحسن، ويقال في الواقعة الواحدة ضروب من الفتيا؛ لأن العقل متواجد عند غير العلماء بالكتاب والسنة، بل ربما كان منهم من يفوق عقول هؤلاء، فإن كان جائزاً عندهم فقد أهملوا أنفسهم، وحكموا حيث شاؤوا(1).
وهذه الاشكالات قابلة للمناقشة، فهي في الواقع ترديد للمدعى، إذ التركيز في الخلاف يدور حول وجود طريق آخر غير النص ـ الكتاب والسنة ـ والقياس، ولا مانع أن يكون الاستحسان سبيلاً آخر، ومن هنا يقول الغزالي: (لا شك أنّا نجوز ورود التعبد باتباعه عقلاً، بل لو ورد، في الشرع: بأن ما سبق إلى أوهامكم أو استحسنتموه بعقولكم أو سبق أوهام العوام ـ مثلاً ـ فهو حكم الله عليكم لجوزناه"(2).
أما الوجه الثاني: فلو تم لأغلق باب الاجتهاد، فليس الاختلاف في الفتيا يصلح دليلاً للرد على الاستحسان، ولكن الظاهر ـ كما نبه إليه العلامة السيد الحكيم ـ (3) أنّه يسير إلى القسم الأخير، وهو ما ينقدح في النفس، ولا ريب في أن هذا القسم يؤدي إلى الفوضى كما تنبه لـه الشافعي، وهو بهذا مرفوض إسلامياً، بل يؤدي إلى التلاعب بمقدسات الإسلام.
أما الغزالي: فإنه يرد الاستحسان بمسلكين:
1 ـ إنّ الاستحسان جائز الحجية عقلاً، ونحن نسلم للشرع حتّى لو عبدنا بأوهام العوام، ولكن ما الدليل عليه ؟ أهو ضرورة العقل وهو خلاف الحقيقة؟
فيجب إذا أن يكون هناك سمع قطعي؛ لأن ما بالغير يجب أن ينتهي إلى ما بالذات، و إلاّ تسلسل الأمر، بل لم تنقل الحجية لـه حتّى أخبار الآحاد، ولو نقلت فإن الأصل لا يثبت عنده بخبر الواحد بحجة إنّ جعل الاستحسان مدركاً من مدارك أحكام الله تعالى
__________________________________
1 ـ فلسفة التشريع الإسلامي: 174، وأصول الفقه للبرديسي: 304، والأصول العامة للفقه المقارن: 376.
2 ـ المستصفى 1: 138 طبعة مصر.
3 ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 377