ـ(204)ـ
وهي مستمرة على جريان ذلك إلى زمن النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ مع علمه به وتقريره لهم عليه(1).

المطلب الرابع

أدلة النافين للاستحسان
إنّ من أبرز نفاة الاستحسان هو: الشافعي كما اشتهر في بطون الكتب، ولكن صاحب كتاب "الرأي في الفقه الإسلامي" يقول: (إنّ الذي ينفي الاستحسان بكل أنواعه هو: ابن حزم الظاهري، لا الشافعي، باعتبار أنّه يرد في كلام الشافعي أحياناً: إني أستحسن)(2) وإنّما الشافعي نفى القسم الأخير ـ وهو ماينقدح في النفس ـ من معاني الاستحسان، إلاّ أن الظاهر من كلامه: أنّه ينفي الاستحسان العقلي أيضاً. قد صور اعتراض الشافعي على الاستحسان باشكالات وهي:
1 ـ ثبت أن المشرع حكيم، ولم يترك أمراً من الأمور الدنيوية سدى من غير بيان، قال تعالى: [أيحسب الإنسان أن يترك سدى](3) فقد بين الأحكام في القرآن أو السنة، وما لم يبينه فيهما تركه للأدلة الأخرى، وأوجب على المسلم اتباع حكمه سبحانه وتعالى: [فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول](4). والحكم الاستحساني ليس داخلاً في القسمين، وإنّما هو تصرف حسب الهوى والميل، ويناقض تلك الآية الكريمة.
والآية الثانية: "فإن تنازعتم.." تأمر بالطاعة لله وللرسول وتنهى عن اتباع الهوى والاستحسان ليس كتاباً ولا سنة ولا رداً للكتاب والسنة، وإنّما هو أمر غير ذلك، وهو تزيد عليهما، فلا يقبل إلاّ بدليل منهما على قبوله، ولا دليل عليه.
وقوله ـ صلى الله عليه وآله ـ: "ما من واقعة إلاّ ولله فيها حكم"(5) والطريق إلى الحكم: إما أن يكون النص أو القياس ـ عند من يأخذ به ـ ولا طريق غيرهما، وهو تعبير آخر عن الرد
__________________________________
1 ـ الأحكام للآمدي 3: 38، الأصول العامة للفقه المقارن للعلامة الحكيم.
2 ـ الرأي في الفقه الإسلامي.
3 ـ القيامة: 36.
4 ـ النساء: 59.
5 ـ المحصول في علم أصول الفقه 2: 565.