ـ(203)ـ
وإما بالعرف: كرد الأيمان إلى العرف.
وإما بالمصلحة: كتضمين الأجير المشترك(1).
ولكن الرد على مثل هذا الاستدلال أيضاً سهل، فإنه كيف يعتبر ما سمي هنا "بالعدل" دالا على علة العدول وهو الاستحسان؟
إنّ هذا الدليل لا يعرض إلاّ سنة جرى عليها الشارع، وهو بيان بعض العمومات، ثم المجيء بمخصص يكشف عن أن العموم لم يكن من قبل على سعته، وهل هذا إلاّ العمل بالسنة المخصصة ؟ وأين هو من جعل الاستحسان أصلاً في قبال الأصول ؟(2).

ثالثا: أدلتهم من الإجماع:
استدلوا بإجماع الأمة: وهو أن يترك القياس في مسألة لانعقاد الإجماع على غير ما يؤدي إليه؛ وذلك كانعقاد إجماع المسلمين على صحة عقد الاستصناع، فإن القياس كان يوجب بطلانه؛ لأن محل العقد معدوم وقت إنشاء العقد.
ويستدل أيضاً على الأخذ بالاستحسان: دخول الحمام، وشرب الماء من أيدي السقائين، من غير تقدير لزمان المكث، وتقدير الماء والأجرة.
والعمل يدل عليه في كلّ الأزمان على صحته، وتعارفوا على عقده، فكان ذلك إجماعاً أو عرفاً عاماً يترك به القياس، وكان عدولاً عن دليل إلى أقوى منه.
ورد هذا الاستدلال: أن هذا الإجماع لو صح وجوده فهو قائم على هذه الإحكام بالخصوص، لا على استحسانها، فضلاً عن قيامها على كلّ استحسان، ولا أقل من اقتصاره على هذه المواد بحكم كونه من الأدلة اللبية التي يقتصر فيها على القدر المتيقن.
ولكن الظاهر أن مثل هذا الإجماع لا أساس لـه ، وإنّما قامت السيرة على هذه الأحكام،
__________________________________
1 ـ كشف الأسرار 2: 1125.
2 ـ الأصول العامة للفقه المقارن، محمّد تقي الحكيم: 375.