ـ(201)ـ
نفسه مما أنزل أو مما لم ينزل.
وأجاب الغزالي بجواب آخر قائلاً: (لا يلزم عن ظاهر هذا اتباع استحسان العامي والطفل والمعتوه لعموم اللفظ، فإن قلتم: المراد به: بعض الاستحسانات وهو استحسان من هو أهل للنظر فكذلك نقول: المراد: كلّ استحسان صدر عن أدلة الشرع، و إلاّ فأي وجه لاعتبار أهل النظر في الأدلة مع الاستغناء عن النظر).
إنّ قيد أهل النظر عرفي واضح، ولذا فهو يشكل قرينة ارتكازية للإطلاق هنا، فلا يتم جواب الغزالي(1).

ثانياً: أدلتهم من السنة النبوية:
أ ـ استدلوا بما رواه عبدالله بن مسعود أنّه قال: "إنّ الله ـ عز وجل ـ نظر في قلوب عباده فاختار محمداً ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد فاختار لـه أصحاباً، فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه، فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح"(2).
واستدلالهم بهذه الرواية لأصول مختلفة؛ لأن الأمر يفيد رجحان مصلحة الوجود؛ لامتناع الأمر بما فيه مفسدة راجحة أو مساوية، والإذن في تركه إذن في تفويت المصلحة الخالصة، وأنه قبح عرفاً فكذا شرعاً، وقوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: "ما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح" ترك العمل به في المندوبات، فيبقى فيما عداها.
ولا يقال: إلزام المكلف استيفاء المصلحة الخالصة لنفسه قبيح عرفاً فكذلك شرعاً؛ لأن هذا ينفي أصل التكليف.
ولكن يناقش هذا الاستدلال بأمور:
__________________________________
1 ـ مجلة التوحيد، العدد السادس، السنة الأولى، ضمن مقال التسخيري: 74.
2 ـ رواه الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ورواه البيهقي في كتاب المدخل، وفي كتاب الاعتقاد ورواه الطيالسي في مسنده، البزاز في مسنده، و الطبراني في الكبير، وأحمد موقوفاً على ابن مسعود، وانظر الزيلعي 4: 133، وكشف الخفاء 2: 188، ورواه أحمد في كتاب السنة، وليس في المسند.