ـ(200)ـ
فالأولى: مدحت وألزمت باتباع الأحسن، والمدح والإلزام علامة الحجية، ويوجبان الجزم بحجية المستحسن بالفتح.
والثانية: يفهم منها: أنّه سبحانه وتعالى مدح أناساً تعرض عليهم قضايا فيها الحسن والأحسن، فيختارون الأحسن.
ويرد على هذا الاستدلال بـ:
1 ـ إنّ الآيتين استعملت لفظ "الأحسن" بمفهومه اللغوي، وهذا لا علاقة لـه بالاصطلاح المتأخر، فالآيتان أجنبيتان عنه.
2 ـ إنّ المجال في أحسنية حكم على حكم يعني: الإطلاع على الملاكات، ولا سبيل للعقل على ذلك، بل يقدم الأهم على المهم.
3 ـ إنّ الآية الأولى وإن مدحت المستمعين إلاّ أنها افترضت أن هناك أقوالاً بعضها أحسن من بعض، فإذا كانت صادرة من الشارع فالأهمية بكونها أحسن هو من شؤون الكتاب والسنة(1).
4 ـ إنّ التأمل في سياق الآية الثانية لا يبقي مجالاً لتقديم الأهم على المهم، وإنّما استعملت لفظ التفضيل لتعم الصفة على كلّ ما أنزل منه تعالى، أو تحبذ التوبة بقرينة ذكر العقاب.
5 ـ إنّ الآيتين أجنبيتان عن حجية الاستحسان، ولو بدلت لفظة "الأحسن" بلفظة "أنهم يعملون بالاستحسان في مجالات الاستنباط" لا يستقيم المعنى بحال(2).
ورد الغزالي على هذا الاستدلال بالآية: (قلنا اتباع أحسن ما إنزال إلينا هو ابتاع الأدلة، فبينوا لنا أن هذا مما أنزل إلينا، فضلاً عن أن يكون أحسنه) (3) وهو بهذا يتحدث عن قاعدة تقول: "إنّ القضية لا تثبت موضوعها" فالآية لا يمكن أن تعين الاستحسان
__________________________________
1 ـ الأصول العامة للفقه المقارن: 374.
2 ـ مجلة التوحيد السنة الأولى العدد السادس، ضمن مقال الشيخ التسخيري: 74.
3 ـ المستصفى: 138.