ـ(198)ـ
مصادر التشريع الإسلامي) (1).
وقال ابن حزم الظاهري: (الحق حق وإن استقبحه الناس، والباطل باطل وإن استحسنه الناس، فصح أن الاستحسان شهوة واتباع للهوى وضلال، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان) (2). وقال أيضاً: (من المحال أن يكون الحق فيما استحسنا دون برهان؛ لأنه لو كان ذلك لكان الله تعالى يكلفنا مالا نطيق، ولبطلت الحقائق)(3).
أما الشوكاني من الزيدية قال بعد أن ناقش أدلة الاستحسان: (بمجموع ما ذكرنا: إنّ ذكر الاستحسان في بحث مستقل لافائدة منه أصلاً؛ لأنه إنّ كان راجعاً إلى الأدلة المتقدمة فهو تكرار، وإن كان خارجاً عنها فليس من الشرع في شيء، بل هو من التقول على هذا الشريعة بما لم يكن فيها تارة، وبما يضادها أخرى) (4).
والمعروف هنا: أن هذه السبل كلها تنبع من عنصر "الرأي"، وقد نشط في المائة الثانية للهجرة، وقوي حتّى عاد رابع الأصول الثلاثة: الكتاب والسنة، والإجماع، وقد بالغوا فيه حتّى قدموه على الإجماع أحياناً، بل رويت به بعض الأحاديث، أو أولت به الآيات (5). (ومن الطبيعي أن ابن حزم ينفي كلّ أنواع الاستحسان، ماعدا مسألة تقديم أقوى الدليلين، وذلك بحكم مذهبه في التمسك بحرفية النصر، دون التعدي عنها إلى الرأي والاجتهاد) (6).
أما مدرسة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ فقد قاومت الرأي والقياس أيضاً بشدة، وجاءت شتى الأحاديث تناقش العمل به، وترده.
وقد تابعهم على ذلك فقهاء الظاهرية في إنكار الرأي بكل سبله، كما أدت تلك المقاومة والرد إلى أن يتجه أهل الرأي إلى وضع الحدود والقيود التي كادت أن تسد منافذه أحياناً، أو تقربه مما يعرف لدى مدرسة أهل البيت به "تنقيح المناط" واستظهار
__________________________________
1 ـ الآمدي في الأحكام 4: 137.
2 ـ ملخص إبطال القياس والرأي والاستحسان: 50 الأحكام في أصول الأحكام لابن حزم 6: 759.
3 ـ الأحكام لابن حزم 2: 759.
4 ـ إرشاد الفحول: 241.
5 ـ مقدمة إبطال القياس لابن حزم.
6 ـ الأحكام 6: 757.