ـ(197)ـ
مجرد الميل النفسي عند المجتهد ـ وهذا الميل انتزعه من عدة أدلة وإن لم يكن لمجموعها جامع واحد ـ فهذا بحد ذاته لا يشكل لنا أصلاً ودليلاً مستقلاً قائماً بذاته.
أما إذا كان ناشئاً من نفس الميل الشخصي غير المعتمد على الدليل الشرعي فهو كما قال الشافعي: تشريع محض وتشهي.
وأما إذا كان الميل ناشئاً من ترجيح أحد الدليلين فهذا يكون مندرجاً تحت مباحث الألفاظ، ومتداخلاً في بقية المصادر الأخرى: كالسنة مثلاً، ولا يتولد منه أصل تشريعي.
الفريق الثاني: الفريق المنكر للاستحسان، فهو لا يعترف بحجيته، ويظم هذا الفريق الشافعية والظاهرية والمعتزلة وفقهاء الشيعة قاطبة(1).
فقد نقل أن الشافعي قال: (من استحسن فقد شرع) (2). وجاء في الرسالة للشافعي: (أن حراماً على أحد أن يقول بالاستحسان إذا خالف الاستحسان الخبر). وفي مقام آخر يقول: (إنّ حلال الله وحرامه أولى أن لا يقال فيه بالتعسف ولا الاستحسان أبداً، إنّما الاستحسان تلذذ، ولا يقول فيه إلاّ عالم بالأخبار، عاقل بالتشبيه عليها) (3).
وقد خصص الشافعي فصلاً من كتابه"الأم" لإبطال الاستحسان، وقال: (الاستحسان باطل) (4).وقال في الرسالة: (وإنّما الاستحسان تلذذ، ولو جاز لأحد الاستحسان في الدين لجاز ذلك لأهل العقول من غير أهل العلم، ولجاز أن يشرع في الدين في كلّ باب، وأن يخرج كلّ أحد لنفسه شرعاً)وقد اعتبره الغزالي في ميدان التشريع هوساً؛ لأنه خلط ووهم وخيال (5).
لكن الآمدي يقول: (إنّ الشافعي قد أخذ بالاستحسان واعتبره مصدراً من
__________________________________
1 ـ المبادئ العامة للفقه الجعفري: 298، أصول الاستنباط: 264، الأصول العامة: 263، الأسنوي 3: 171 ـ 168.
2 ـ الأم 7: 373، شرح تنقيح الفصول للقرافي: 415، كتاب الحدود لأبي وليد الباجي: 65، كشف الأسرار 4: 1124.
3 ـ مقدمة الجزء الأول من الأم: 70.
4 ـ الام 7: 373.
5 ـ الرسالة: 507 وما بعدها، المستصفى 1: 138.