ـ(196)ـ
حكم هو أولى منه) (1).
وإن كان البناني نقل بأن الحنابلة أنكروه(2).
وقال الشوكاني ـ وهو من المتأخرين وسبقه بالقول القفال ـ: (إنّ كان المراد بالاستحسان: ما دلت عليه الأصول بمعانيها فهو حسن لقيام الحجة به، وهذا لا ننكره ونقول به، وإذا كان ما يقع في الوهم من استقباح الشيء واستحسانه من غير حجةٍ فهو محظور، والقول به غير سائغ) (3).
وخلاصته عند هؤلاء: أنه استعمال مصلحةٍ جزئيةٍ في موضعٍ يعارضه فيها قياس عام، ومثلوا لذلك بعدة أمثلة:
منها: أن المشتري لو اشترى سلعةً على أنّه بالخيار ثلاثة أيام ثم مات في أثناء المدة فإن خيار الشرط يورث عند المالكية (4)، فإن اتفق الورثة على فسخ العقد فسخ، وإن اتفقوا على إمضائه مضى عليهم أجمعين، ولكن لو اختلفوا وقبل من رضي بالإمضاء أن يأخذ نصيب من رد فإن العقد يمضي على البائع استحساناً؛ وذلك لأن البيع قد بت من جانبه، فلا يهمه من يؤول إليه ما دام وارثاً(5).
وقد التزم بعض الأولين من تلامذة مالك وأبي حنيفة بالاستحسان ودافعوا عنه، وتبعهم بعض المتأخرين فقالوا: إنّ أبا حنيفة أجل قدراً وأشد ورعاً من أن يقول في الدين بالتشهي.
ثم قالوا: إنّ المخالفين لا ينكرون على أبي حنيفة الاستحسان بالأثر أو بالإجماع أو بالضرورة؛ لأن ترك القياس بهذه الدلائل مستحسن بالاتفاق، وإنّما أنكروا عليه الاستحسان بالرأي فإنه ترك للقياس بالتشهي (6).
ومن خلال العبارات السابقة يمكن فهم الحقيقة التالية: أن الاستحسان المبتني على
__________________________________
1 ـ روضة الناظر: 58. والأحكام 3: 136.
2 ـ حاشية البناني 2: 353، ومختصر المنتهى: 220.
3 ـ إرشاد الفحول: 223، كشف الأسرار 4: 1123.
4 ـ راجع تردد الإمام مالك في الاستحسان: إرشاد الفحول للشوكاني: 240.
5 ـ الاعتصام 2: 326، وأصول الفقه لأبي زهرة: 263.
6 ـ كشف الأسرار 4: 1123.