ـ(182)ـ
والشافعي كان يقول: "إذا صح الحديث فهو مذهبي". وقال يوماً للمزني: "يا إبراهيم لا تقلدني في كلّ ما أقول وانظر في ذلك لنفسك فإنه دين".
وكذلك أحمد بن حنبل كان يقول: ليس لأحد مع الله ورسوله كلام".
وقال يوما لإنسان: "لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الاوزاعي ولا الحنفي ولا غيرهم وخذ الأحكام من حيث أخذوا: "من الكتاب والسنة".
وكذلك فقهاء الشيعة الإمامية فإنهم لا يأخذون بالتقليد، ولا يتبعون في عباداتهم ومعاملاتهم وسائر أحكام مذهبهم إلاّ ما فهموه من كتاب الله وسنة نبيه والأئمة المعصومين من بعده.
هذا ولم يثبت عن فقيه من فقهاء السنة أو إمام من أئمة الشيعة أن أوجب التقيد بمذهبه.
أما الأقوال المتداولة كقول: "فواجب تقليد حبر منهم" وخلافه، فذلك من مقولات المتأخرين الّذين تحكمت فيهم روح الخلاف وسيطرت على نفوسهم العصبية المذهبية لحمل الناس على وجوب الالتزام ببعض المذاهب أو منعهم من الخروج منها الأمر الذي يؤكد هذا ويثبته ما قاله بعض المتأخرين من فقهاء الحنفية: "من ارتحل إلى مذهب الشافعية يعزر" وكلمة الارتحال وكلمة التعزير تنمان عن معنى خطير.
على أن الإمام الشافعي نفسه نهى عن تقليده وتقليد غيره من الأئمة ـ حسبما ذكره صاحبه المزني في كتابه"المختصر".
وما أروع الانتقاد اللاذع الذي وجهه العز بن عبد السلام إلى مثل هؤلاء حين قال: "لم يزل الناس يسألون من اتفق من العلماء من غير تقيد بمذهب ولا إنكار على أحد من السائلين، إلى أن ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين، فإن أحدهم يتبع إمامه كأنه نبي أرسل، وهذا نأي عن الحق وبعد عن الصواب لا يرضى به أحد من ذوي الألباب ".
وقال الشارح لكتاب "مسلم الثبوت" لم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس، أن يتمذهب بمذهب رجل من الأئمة، فإيجابه تشريع شرع جديد.