ـ(181)ـ
يستحيل ـ بحكم العادة ـ تواطؤهم على الكذب". ويشترط أن يكون التواتر قائماً في جميع طبقات الرواة. وهذا النوع من أحاديث النبي لـه حجية القرآن شريطة الوثوق من صحته وصدوره عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ .
أما ما عدا الحديث المتواتر من أقسام الحديث الآحادي، فلم تتفق جميع أقوال الأئمة المجتهدين على صحتها بل اختلفوا بشأنها لأنها لم تكن قد دونت في حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كما حصل للقرآن ـ ولا في عصر الصحابة حتّى ولا في عصر التابعين.
الأمر الذي جعل علماء المسلمين يختلفون على صحتها لكونها رويت من طرق متعددة أو بأقوال مختلفة. وربما بلغت الرواية علماء بلد دون بلد آخر فاعتمدها أولئك وأنكرها هؤلاء، إلى غير ذلك من أسباب لم تكسبها قوة الحديث المتواتر وبالتالي لا يكفر منكرها.
أجل، ليس في الإسلام مذاهب بل على القادرين على الاجتهاد أن يعملوا أفكارهم ويستخرجوا الأحكام الشرعية من مصادرها التشريعية. وعلى غير القادرين على الاجتهاد أن يقلدوا من يختارون من الأئمة المجتهدين، لأن جميع هؤلاء العلماء متفقون فيما بينهم على الأصول. وأبرز هذه الأصول:
أركان الإيمان وأركان الإسلام، وأنه ليس بعد الإسلام دين، ولا بعد نبي الإسلام نبي، وأن ما جاء في كتاب الله حق، وما صح عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ حق، وأن الساعة حق، والبعث والجنة حق، والنار حق، والثواب حق، والعقاب حق، وليس بعد الحق إلاّ الضلال.
هذا الأمام مالك بن أنس ـ صاحب مدرسة الحديث في المدينة ـ يرفض طلب الخليفة المأمون بجمع المسلمين حول كتابه "الموطأ" وحملهم على اعتماد ما ورد فيه، ويجيب المأمون قائلاً: "دع الناس يا أمير المؤمنين وما اختاروا لأنفسهم."
وأبو حنيفة ـ صاحب مدرسة الرأي ـ كان يقول "لا ينبغي لمن لا يعرف دليلي أن يفتي بكلامي."