ـ(183)ـ
وقال الإمام أبو شامه: "ينبغي لمن اشتغل بالفقه أن لا يقتصر على مذهب إمام، بل يعتقد في كلّ مسألة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة، وذلك سهل عليه إذا حصل وسائل الاجتهاد ليتجنب التعصب والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة فأنها للزمن مضيعة ولصفوة مكدرة.
والدليل الأظهر على أن المذاهب المعروفة ليست من مقاصد الإسلام، بل أنّه انقضت على ظهور الإسلام ثلاثة قرون وهي خير القرون ـ لم يكن موجوداً واحد من الأئمة الأربعة أو غير الأربعة، بل كان سلفنا الصالح في تلك القرون الثلاثة الزاهرة، يدينون بكتاب الله وسنة نبيه الثابتة بيقين دون أن يجدوا عن ذلك حولاً.
ولست أدري من أين جاء ابن الصلاح ـ وهو من العلماء المقلدين ـ بأن الواجب على كلّ مسلم أن يقلد أحد الأئمة الأربعة ؟ ضارباً عرض الحائط بمشروعية الاجتهاد، علماً أنّه لا يسوغ ـ شرعاً ـ أن يخلو عصر من وجود مجتهد واحد على الأقل تتوفر فيه شروط الاجتهاد.
ومثل ابن الصلاح، الكمال بن الهمام الذي نقل في كتابه "التحرير" أن الإجماع انعقد على عدم العمل بمذهب مخالف للأئمة الأربعة".
أي إجماع هذا الذي يدعيه ابن الصلاح أو الكمال بن الهمام والقاضي بأن يحصر الدين الإسلامي في أربعة أشخاص بعد أن كان الفقهاء قبل أصحاب المذاهب الأربعة لا يمكن حصرهم في عدد ؟!!
ولعل من مفاخر الشيعة الإمامية أن يكون باب الاجتهاد ما زال عندهم مفتوحا، وسيظل كذلك إلى أبد الآبدين إنّ شاء الله تعالى.
لقد اتسعت صدور أسلافنا في العصور الوسطى بفضل الاجتهاد الحر الطليق، لمختلف الحضارات العالمية من هندية ويونانية وفارسية. واكتسب الإسلام صفة التفوق على ما عداه من شرائع دينية ودنيوية. ولم تزل النظريات العلمية التي ساقها علماء المسلمين ـ إذ ذاك ـ في الطب والجيولوجيا والجبر والهندسة والفلك مرجعاً لعلماء الغرب. ومن أولئك العلماء المسلمين نذكر: ابن بختيشوع وابن حيان وابن إسحاق وابن الهيثم وأبا بكر الرازي وابن رشد وابن