ـ(180)ـ
فالقرآن الكريم الذي هو شريعة المجتمع، والذي هو المرجع الأول لجميع المسلمين قد أنزله الله تعالى أساساً للعلم والمعرفة، وقانوناً ربانياً لشؤون الحياة كافة، وآياته البينات ترسم لنا بوضوح منهاج العلم النافع ليكون سبيلاً إلى العمل النافع.
هذا القرآن يدعو المسلمين إلى إعمال الفكر، وأوجب عليهم الاجتهاد بقوله سبحانه: "فاعتبروا يا أولي الأبصار"، وقوله أيضاً: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول".
ومعنى هذا الرد أن ينظر المجتهد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة الأحكام المعللة ويستنبط الحكم على أساسها. ولا يجوز للمسلمين القادرين على الاجتهاد أن يقلدوا غيرهم. وإذا كان العامي ـ غير القادر على الاجتهاد ـ قد أباح لـه الإسلام تقليد غيره من أهل الاجتهاد فانه لم يكرهه على تقليد مذهب معين من المذاهب المعروفة عند السنة أو عند الشيعة، تلك المذاهب التي كان للسياسة دخل كبير في إبرازها وتفضيلها على ما عداها من أقوال منسوبة إلى بعض كبار المجتهدين في زمانهم.
فإسلامنا إسلام بلا مذاهب، وهو يعتمد على القرآن الكريم الذي هو عصب الأمة الإسلاميّة وحجة الله القائمة إلى يوم القيامة، ثم على الحديث النبوي الثابت بيقين، لكونه مبيناً نوع التكليف.
على أن أقوال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ المروية في الكتب ليست هي السنة، وإنّما سميت بها تجوزاً، لكونها حاكية عنها ومثبتة لها.
وأقوال الرسول ـ يعني أحاديثه ـ تنقسم إلى قسمين: متواتر وآحادي. وهذا القسم قسمه علماء مصطلح الحديث إلى: صحيح وحسن وضعيف، ثم فرعوا عن هذه الأقسام الثلاثة مجموعات تابعة لها لا يهمنا كثيراً ذكرها ما دام الحديث المتواتر هو وحده الحديث الذي يعتبره جميع المجتهدين حجة بلا خلاف.
والحديث المتواتر "هو الذي أخبر به أناس كثيرون عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ