ـ(174)ـ
الترجيح للعقلي إلاّ أن هنا في الحقيقة تعارض في النقليات، وإلا (أي لم يؤيد الدليل العقلي دليل نقلي)، فالترجيح للنقلي، وفاقاً للسيد المحدث الجزائري (قده) وخلافاً للأكثر هذا بالنسبة إلى العقلي بقول مطلق، أما لو أريد المعنى الأخص، وهو الفطري الخالي عن شوائب الأوهام الذي هو من حجج الملك العلام وأن شذ وجوده في الأنام، ففي ترجيح النقلي عليه أشكال"(1).
ويقول صريحاً: "لا ريب أن العقل الصحيح الفطري حجة من حجج الله سبحانه، وسراج منير من جهته جل شأنه، وهو موافق للشرع من داخل كما أن ذلك شرع من خارج ما لم تغيره غلبة الأوهام الفاسدة، وتتصرف فيه العصيبة أو حب الجاه، أو نحوهما من الأغراض الفاسدة، وهو (أي العقل) قد يدرك الأشياء قبل ورود الشرع، فيأتي الشرع مؤيداً لـه ، وقد لا يدركها قبله، ويخفى عليه الوجه فيها فيأتي الشرع كاشفاً لـه ومبينا"(2).
وفي الواقع أن التأمل في هذه الكلمات يجعل الباحث يميل إلى الاعتقاد، بأن حقيقة دعواهم تلك ليست ظاهرة في نفي الحسن والقبح العقليين إنّما يمكن تفسيرها بما يلي:
1 ـ انهم يرون صعوبة أدراك العقل لحسن أو قبح الأفعال، وذلك لأن الحكم المرتبط بقضايا الحكمة، والفقه، وأصوله، ومنها أحكام العقل بالحسن والقبح و ينتهي إلى مادة بعيدة عن الإحساس (لبعد مادة هذه العلوم عن الأذهان) فمن الطبيعي أن تقع الاختلافات، والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة، وبين علماء الإسلام في أصول الفقه كما يقول المحدث الاسترآبادي (قده) (3).
ولعل قول المحدث المذكور التالي أوضح برهان على أن غرضه الحقيقي نفي تطابق العقلاء على حكم عقلي واحد حيث قال:
"أن المشائين ادعوا البداهة في أن تفرق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه،
__________________________________
1 ـ الحدائق: ج1 ص 133.
2 ـ الحدائق: ص 131.
3 ـ الرسائل: ص 9.