ـ(173)ـ
الفروع الفقهية قلت: إنّما نشأ ذلك من ضم مقدمة عقلية باطلة إلى مقدمة نقلية ظنية، أو قطعية، ومن الموضحات لما ذكرناه من أنّه ليس في المنطق قانون يعصم من الخطأ في مادة الفكر:
إنّ المشائيين ادعوا البداهة في أن تفرق ماء كوز إلى كوزين إعدام لشخصه، وإحداث لشخصين آخرين، وعلى هذه المقدمة بنوا إثبات الهيولى، والاشراقيين ادعوا البداهة في انه ليس إعداماً للشخص الأول وإنّما انعدمت صفة من صفاته وهو الاتصال.. إذا عرفت ما مهدناه من المقدمة الشريفة فنقول: أن تمسكنا بكلامهم فقد عصمنا من الخطأ وأن تمسكنا بغيرهم لم نعصم عنه"(1).
وقال السيد الجزائري في أوائل شرح التهذيب على ما حكي عنه بعد أن نقل كلام المحدث الاسترابادي المتقدم.
"وتحقيق المقام يقتضي ما ذهب إليه، فإن قلت: عزلت العقل عن الحكم في الأصول، والفروع، فهل يبقى لـه حكم في مسألة من المسائل ؟ قلت: اما البديهيات، فيه لـه وحده، وهو الحاكم فيها، وأما النظريات فإن وافقه النقل، وحكم بحكمه قدم حكمه على النقل وحده، وأما لو تعارضا هو، والنقلي، فلا شك عندنا في ترجيح النقل، وعدم الالتفات إلى ما حكم به العقل"(2).
وقد نقل الشيخ يوسف البحراني كلام السيد الجزائري واستحسنه وقال معقباً عليه:
"لا مدخل للعقل في شيء من الأحكام الفقهية من عبادات، وغيرها، ولا سبيل إليها إلاّ السماع عن المعصوم ـ عليه السلام ـ لقصور العقل المذكور عن الاطلاع عليها، نعم يبقى الكلام بالنسبة إلى مالا يتوقف على التوقيف، فنقول أن كان الدليل العقلي المتعلق بذلك بديهياً ظاهر البداهة مثل الواحد نصف الاثنين، فلا ريب في صحة العمل به، فإن عارضه دليل عقلي آخر فإن تأيد أحدهما بنقل كان التأييد بالدليل النقلي، وأن عارضه دليل نقلي، فإن تأيد ذلك العقلي بدليل نقلي كان
__________________________________
1 ـ الرسائل: ص 9 للشيخ الأنصاري.
2 ـ الرسائل: