ـ(172)ـ
الاتجاه الرابع:
ما ذهب إليه الأخباريون من العدلية وبعض الأصوليين منهم كصاحب الفصول ومن أجل بيان حقيقة دعواهم لابد من استعراض بعض أقوال كبار مفكري هذا الاتجاه وتحديد مدلولاتها:
قال الاسترآبادي، وهو رائد الأخباريين:
"أن العلوم النظرية قسمان قسم ينتهي إلى مادة قريبة من الإحساس، ومن هذا القسم علم الهندسة، والحساب وأكثر أبواب المنطق، وهذا القسم لا يقع فيه الخلاف بين العلماء، والخطأ في نتائج الأفكار، والسبب في ذلك أن الخطأ في الفكر أما من جهة الصورة، أو من جهة المادة، والخطأ من جهة الصورة لا يقع من العلماء لأن معرفة الصورة من الأمور الواضحة عند الأذهان المستقيمة، والخطأ من جهة المادة لا يتصور في هذه العلوم لقرب المواد فيها إلى الإحساس، وقسم ينتهي إلى مادة هي بعيدة عن الإحساس، ومن هذا القسم الحكمة الإلهية، والطبيعية، وعلم الكلام، وعلم أصول الفقه، والمسائل النظرية الفقهية، وبعض القواعد المذكورة في كتب المنطق، ومن ثم وقعت الاختلافات، والمشاجرات بين الفلاسفة في الحكمة الإلهية، والطبيعية، وبين علماء الإسلام في أصول الفقه، وعلم الكلام وغير ذلك، والسبب في ذلك: أن القواعد المنطقية إنّما هي عاصمة من الخطأ من جهة الصورة لا من جهة المادة، وليست في المنطق قاعدة بها يعلم أن كلّ مادة مخصوصة داخلة في أي قسم من الأقسام، ومن المعلوم امتناع وضع قاعدة تكفل بذلك، فإن قلت لا فرق في ذلك بين العقلبات والشرعيات والشاهد على ذلك ما نشاهده من كثرة الاختلافات الواقعة بين أهل الشرع في أصول الدين، وفي