ـ(171)ـ
والملاحدة به من غير اعتراف معهم بالشرائع"(1).
ويتابع العلامة الاستدلال في كتابه نهج الحق قائلاً:
"فلو افترض أن إنساناً لم يسمع بالشرائع، ولا يعرف شيئاً عن الأحكام، ثم خير بين أن يصدق، ويأخذ ديناراً وبين أن يكذب، ويأخذ ديناراً أيضاً ولا ضرر عليه فيهما لاختار الصدق"(2).
ويرد على هذا الدليل:
إذا كان مقصود العلامة (قده) إثبات حسن الإحسان وقبح الإساءة بوصفهما كمالا ونقصا ؟ فهذا مما يدركه جميع العقلاء بما فيهم الأشاعرة، وأن كان مقصودة إثبات الحسن والقبح بالمعنى الثالث أي استحقاق المدح واستحقاق الذم ـ والظاهر أن هذا هو مقصودة ـ فهذا مما لا يمكن إثباته بمجرد حسن الإحسان، و قبح الإساءة، إذ لا ملازمة عقلية بينهما، فقد يحكم العقل بالحسن على شيء لأنه كمال، وعلي شيء بالقبح لأنه نقص، ولا يحكم باستحقاق مرتكب الحسن للثواب، وباستحقاق مرتكب القبح للعقاب.
وقد أجاب بعضهم على هذا الإشكال بدعوى ضرورة حكم العقل بالاستحقاق في مورد حكمه بالحسن والقبح وادعى ثبوت ذلك الاستحقاق عند العقلاء بتواتره (3) إلاّ أنّه من الواضح أن دعوى ثبوته بالتواتر، لا يكشف عن ضرورته... إذ لعل ذلك من جهة العادة لا من جهة الملازمة.
الثاني: لو انتفى الحسن، والقبح العقليات انتفى الحسن والقبح الشرعيان، واللازم باطل اتفاقاً فكذا الملزوم، وبيان الملازمة بانتفاء قبح الكذب حينئذ من الشارع، إذ العقل لم يحكم بقبحه وهو (أي الشارع) لم يحكم بقبح كذب نفسه، وإذا انتفى قبح الكذب منه انتفى الوثوق بحسن ما يخبرنا بحسنه، وقبح ما يخبرنا بقبحه(4).
__________________________________
1 ـ كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 328.
2ـ فلسفات إسلامية: ص 374.
3 ـ أصول الفقه ج 2 ص 233.
4 ـ شرح الباب الحادي عشر: ص 45.