ـ(170)ـ
والفارق بين التفسيرين هو أن التفسير الأول لا يرى واقعاً موضوعياً للحسن والقبح فهما ليس إلاّ إنشاء العقلاء لهما في حين أن التفسير الثاني يرى تلك الأحكام تصديقات جازمة، ولكنها ليست مضمونة الانطباق مع الواقع الموضوعي.. أي قد تكون غير صادقة.
الموقف الثاني: وهو ما اختاره الإمام الشهيد الصدر (قده) حيث يرى أن أحكام العقل بالحسن، والقبح عبارة عن:
"قضايا واقعية دور العقل فيها دور المدرك الكاشف على حد القضايا النظرية الأخرى غاية الأمر أن هذه القضايا واقعية تحققها بنفسها لا بوجودها الخارجي نظير مقولات الإمكان والاستحالة، والامتناع من مدركات العقل النظري"(1).
وكتب في ذلك أن "الحسن والقبح أمران واقعيان يدركهما العقل، ومرجع الأول إلى أن الفعل مما ينبغي صدوره، ومرجع الثاني إلى أنّه مما لا ينبغي صدوره، وهذا الانبغاء إثباتاً، وسلباً أمر تكويني واقعي، وليس مجعولاً، ودور العقل بالنسبة إليه دور المدرك لا دور المنشء والحاكم"(2).
لقد ذكر أصحاب الاتجاه الثالث وهم الإمامية أدلة عديدة لإثبات عقلية الحسن والقبح لابد من الإشارة إلى أهمها وهي:
الأول: ما ذكره العلامة الحلي في تجريده قائلاً:
"أنا نعلم بالضرورة حسن بعض الأشياء وقبح بعضها من غير نظر إلى شرع، فإن كلّ عاقل يجزم بحسن الإحسان، ويمدح عليه، وبقبح الإساءة والظلم، ويذم عليه، وهذا حكم ضروري لا يقبل الشك، وليس مستفاداً من الشرع لحكم البراهمة
__________________________________
1 ـ بحوث في علم الأصول: ج4 ص 41.
2 ـ دورس في علم الأصول الحلقة الثانية: ص 302 للإمام الشهيد السيد الصدر (قده).