ـ(166)ـ
"أقول: إنّ أهل الآخرة مأمورون بعقولهم بالسداد، ومحسن (العقل) لهم ما حسن لهم في دار الدنيا من الرشاد، وأن القلوب لا تنقلب عما عليه، ولا تتغير عن حقيقتها على كلّ حال"(1) وتحت فقرة: "أهل الآخرة" وهل يقع منهم قبيح من الأفعال كتب: "...، فأخبر جل اسمه عن كذبهم (أي أهل النار) في الآخرة، والكذب قبيح بعينه، وباطل على كلّ حال"(2).
فصريح كلامه الأول أن العقل يحكم بالحسن، والقبح مع قطع النظر عن حكم الشارع، وكذلك ظاهر كلامه الثاني حيث يرى أن الكذب قبيح على كلّ حال أي سواء حكم الشارع بحرمته، أو لم يحكم.
وينبغي أن نحد مركز حكم العقل بالحسن، والقبح الذي يكشف عن حكم الشارع به، أو نهيه عنه. إذ صفة الحسن، والقبح تطلق على ثلاثة معان:
أوّلاً: صفة الكمال، والنقص، فالعلم حسن لأنه كمال، والجهل قبيح لأنه نقص، والشجاعة حسنة لأنها كمال، والخوف قبيح لأنه نقص.
ثانياً: ملاءمة الغرض، ومنافرته، فالصحة حسنة لاننا نريدها، والمرض قبيح لأننا لا نريده، والإرادة للأول، وعدم الإرادة للثاني منشأه الانسجام مع متطلبات جسمنا، وكذلك يقال: هذا المنظر حسن جميل، وهذا الصوت حسن مطرب، وهذا المذاق حسن كما يقال الأكل عند الجوع حسن، وذلك لأن النفس تلتذ بهذه الأشياء، وتتذوقها لملاءمتها لها في حين أن مقابلها كالمنظر القذر، والأكل على الشبع يحكم العقل بقبحها لأن النفس تتألم، أو تشمئز منها.
ثالثاً: يطلق الحسن والقبح على الفعل، ويراد بهما المدح والذم، أي أن حكم العقل بالحسن يعني إدراك العقل باستحقاق الفاعل للحسن للثواب، وحكم العقل بالقبح أي إدراك العقل باستحقاق الفاعل للقبح العقاب"(3).
إنّ حكم العقل بالحسن، والعقل بالمعنيين الأول والثاني، أي بسبب رجوع
__________________________________
1 ـ أوائل المقالات: ص 106 للشيخ المفيد.
2 ـ أوائل المقالات: ص 108.
3 ـ فلسفات إسلامية: ص 372 وراجع أصول المظفر: ج 2 ص 219 للشيخ محمّد جواد مغنية.