ـ(165)ـ
مستحيل يجب تنزيهه تعالى عنه، فلا يجتريء مسلم على هذا، والله تعالى اعلم بحقيقة الحال"(1) ونحن نقول: كما أن الإيجاد من غير وجوب مستحيل كذلك الحكم من غير ملاك مستحيل فإن الله تعالى لا يحكم إلاّ وفق الحسن، والمصلحة، ولا يحكم كيفما اتفق.
د ـ ما استدل به بعض الأشاعرة على مذهبهم من انه لو حكم العقل بالحسن، والقبح للزم أن يكون الشيء الواحد حسناً، وقبيحاً في آن واحد، وهو محال؛ بيان ذلك لو قال قائل: سأكذب غداً، وافترض أن الصدق حسن، والكذب قبيح عقلاً فأما أن يفي بما قال، واما أن لايفي، فأن وفي يفعل حسناً لصدقه فيما قاله بالأمس، ويفعل قبيحاً من أجل الكذب، وإن لم يف، فكذلك يفعل حسناً لترك الكذب، ويفعل قبيحاً لعدم الوفاء، وعلى أي الأحوال يلزم أن يكون الشيء الواحد حسناً، وقبيحاً في آن واحد، وهو محال. أذن لا حسن، ولا قبح (عقليان) (2). وهذا الاستدلال يتضح خطؤه في ضوء الحديث السابق عن مناشيء حكم العقل، وتقسيمها إلى ما كان علة، والى ما كان اقتضاء وذلك لان الوفاء بالعهد حسن فيما لو لم يعرض عليه عنوان آخر يجعله قبيحاً، وهنا سوف ينطبق عليه عنوان مقبح هو عنوان الكذب القبيح فيحكم العقل بقبح الوفاء بالوعد، ولا يحكم بحسنه ليقال بأنه سوف يكون قبيحاً في نفس الوقت، في اليوم القادم، فيجتمع الحسن والقبح في فعل.

الاتجاه الثالث:
ما ذهب إليه أكثر الإمامية وبعض المعتزلة من حسن وقبح الأفعال ذاتاً.
قال الشيخ المفيد في بيان حال أهل الآخرة، وأنهم مأمورون أو غير مأمورين، وبالتالي إثبات عقلية الحسن والقبح:
__________________________________
1 ـ المستصفى: ج 1 ص 26 لأبي حامد الغزالي.
2 ـ فلسفات إسلامية: ص 373.