ـ(164)ـ
بحسن هذا الكذب، وقد يكون فعل ليس فيه اقتضاء ولا علة للحكم عليه بالحسن أو القبح، فإذا عرض عليه عنوان لـه علية، أو اقتضاء للحسن، فسوف يحكم عليه العقل بالحسن، أو عرض عليه عنوان لـه علية، أو اقتضاء للقبح، فسوف يحكم العقل عليه بالقبح كشرب الماء، فإن تناوله مع عدم الحاجة إليه لا يكون حسناً، ولا قبيحاً أما لو تناوله الشخص لرفع عطشه، فإنه يكون حسناً، ولو تناوله لا يجاد الضرر في جسمه يكون فعله قبيحاً...
وفي ضوء هذا البيان تتضح نقاط ضعف الاستدلال المذكور وذلك لأن بعض الأفعال كالصدق يكون حسناً في بعض الأحوال كما لو ارتفعت جميع الموانع، ويكون قبيحاً في أحوال أخرى فيما لو عرض عليه عنوان مقبح كما لو ترتب عليه قتل مؤمن، وهذا التفاوت في حكم العقل حصل بسبب أن عنوان الصدق يقتضي الحسن، وليس علة تامة للحسن، فبسبب عروض عناوين أخرى حصل تبدل في الحكم... وهذا التبدل ليس فيه تناقض.. نعم لو تغير حكم العقلاء من الحكم بالحسن إلى الحكم بالقبح، مع عدم وجود سبب لهذا التبدل يكون ذلك نقضاً على عقلية الحسن، والقبح، ولكن الأمر ليس كذلك كما عرفت.
ج ـ لو كان القبح، والحسن ذاتيين للزم سلب اختيار المولى حيث لابد أن يحكم بالوجوب، أو الاستحباب على الفعل الحسن ذاتاً، ولابد أن يحكم بالحرمة، أو الكراهة على الفعل القبيح ذاتاً، وسلب اختيار المولى قبيح.
وهذا الاستدلال يرد عليه:
إنّ التشريع على وفق المعقول لا ينافي الاختيار لأن تشريعات المولى على طبق أدراك العقول يحصل باختياره الكامل، وليس هو مجبوراً عليه.. إذ من البعيد على العاقل العادي أن يخالف أحكام عقله، ويسير في مسالك على خلاف تلك الأحكام، فكيف يخالف العقل مع عدم وجود مانع، أو دافع للمنع عن التشريع على وفق حكم العقل.
"كيف والإيجاد منه تعالى لأجل الحكمة، ومطابقة الفعل للنظم الصالح من الكمالات، فيجب ثبوته لـه تعالى، والإيجاد كيف ما اتفق من غير وجوب أمر