ـ(163)ـ
بحسن القبيح، أو لم يقل فرعون عن موسى ودعوته كما يحكي تعالى:
"إني أخاف أن يبدل دينكم، أو أن يظهر في الأرض الفساد"(1) أو لم يقل الملأ لفرعون، "أتذر موسى، وقومه ليفسدوا في الأرض"؟
والمفروض أن تطابق العقلاء وحكمهم بالحسن، أو القبح إنّما حصل بما هم عقلاء، فلا مجال لافتراض تدخل الأهواء، والعواطف في حصول التطابق المذكور.
ب ـ "لو كان الحسن، والقبح من الصفات الذاتية لكان ذلك مضطرداً فيه، ولما تخلف عنه، بل يبقى الفعل حسناً دائماً، أو قبيحاً دائماً، والواقع غير ذلك لأن الكذب قد يكون قبيحاً، وقد يكون حسناً بل يكون واجباً إذا ترتب عليه خير محقق كإنقاذ بريء من يد سلطان جائر، أو من يد ظالم لـه بطش، ونفوذ، ويقابل ذلك أن الصدق يكون قبيحاً في هذا المقام"(2).

ويرد على هذا الاستدلال:
أن حكم العقل بالحسن، والقبح على الشيء لـه مناشيء كما سيأتي، فقد يكون ذلك المنشأ علة تامة لحكم العقل بالحسن، أو القبح كما هو الحال في حكمه بقبح الظلم، وحسن العدل، وهذا الحكم لا يتبدل مهما اختلف الظروف، والأحوال، ما دام ذلك العنوان (الظلم والعدل) لا يزال منطبقاً على الفعل، وقد يكون المنشأ لـه اقتضاء في الفعل لحكم العقل بالحسن، والقبح أي لو انتفت جميع الموانع، فإن العقل يحكم بذلك الحكم كحكمه بحسن الصدق، وقبح الكذب، فإن الصدق فيه اقتضاء للحسن، فلو انتفت جميع الموانع، فإن العقل يحكم بحسنه، والكذب فيه اقتضاء للقبح فلو انتفت جميع الموانع، فإن العقل يحكم بقبحه، أما لو طرأت موانع على ذلك الفعل كما لو ترتب على الصدق قتل مؤمن، فأن العقل بحكم بقبح هذا الصدق، أو ترتب على الكذب نجاة نفس محترمة، فإن العقل يحكم
__________________________________
1 ـ غافر: 26.
2 ـ الأصول العامة للفقه المقارن ص 285 نقلا عن كتاب مباحث الحكم عند الأصوليين ج 1 ص 169 لمحمد سلام مدكور.