ـ(86)ـ
الشمال، بين بعض العرب وبعض الأكراد"(1).
ثم ينتقل للتدليل على صحة التحليل والاستنتاج السابق قائلاً: " إنّ شعور بعض الناس إزاء هذه المحنة أنها كلفته ولده، كلفته أخاه، كلفته صديقه، وعليه فهو يعيش المحنة على هذا المستوى ويشعربها بهذه الدرجة، وموقفه إزاء ذلك أن يهرب أخاه،.. أن يتهرب من واجبات القانون حتّى لا ينخرط في مأساة من هذا القبيل.. ولا يرى لـه واجباً من وراء ذلك، وأخرى يتعمق هذا الشعور أكثر فأكثر فيكون شعوره شعوراً إقليمياً على أساس أن أبناء البلد الواحد يتصارعون ويتنازعون فيما بينهم، وهذا الشعور والانفعال الإقليمي تجاه المشكلة يؤدي إلى اتخاذ موقف أوسع من الموقف الأول، إلى موقف يفكر فيه أنّه كيف يعيد الصفاء والسلام إلى أبناء البلد..، وقد يكون شعوره أعمق من هذا وذاك، قد يشعر بازاء المحنة أنها نتاج عدم تطبيق شريعة الله تعالى على هؤلاء المسلمين.. إنّ عدم تطبيق شريعة الله هو الذي أدى إلى تعميق التنافس بين الأخ وأخيه، حتّى ولدت مشكلة بين هذا وذاك.. حينئذ سيولد هذا الشعور موقفاً يختلف عن الشعور السابق والأسبق.." (2).
إنّ الشهيد الصدر ـ كما يظهر هنا ـ قد امتلك وعياً عميقاً انطلق منه في حركته المباركة ومسيرته المظفرة، وعياً كونياً شمولياً قاده إلى ابتكار الوسائل والأساليب الأكثر قدرة على الوصول إلى الأهداف الحيوية في مشروعه النهضوي الكبير.
ولقد شخص الإمام الشهيد أهمية وحدة الشعور، التي ينبغي أن تقود إلى وحدة الموقف عند الأمة إزاء قضاياها المصيرية، ورأى ضرورة الاستعلاء على حالة التمحور حول الذات (شخصية كانت أم مذهبية أم إقليمية)، والارتقاء إلى مستوى الاهتمام بالكيان الكلي للأمة.
وإذا كان ذلك كله شرطاً ضرورياً ومدخلاً أساسياً لنجاح البرنامج الطموح والمشروع النهضوي، فإن الذي يعيننا الآن تبين أبعاد منهجه في المشروع التقريبي.
__________________________________
1 ـ المحنة الإمام الشهيد الصدر: 26.
2 ـ المصدر السابق: 27 ـ 28.