ـ(85)ـ
إنّ الوعي العميق بهذه الحقيقة جعل الإمام الشهيد الصدر (رضي الله عنه) وهو يستشعر ويستحضر خدمة الإسلام العظيم ـ طلباً لمرضاة الله تعالى ـ، جعله يتميز في كلّ فعالياته وأنشطته وحركته المباركة بالجدية والحيوية في الإعداد، والتخطيط، والمتابعة، والاشتراك الفعلي (1) لتنفيذ المشاريع الكبرى والخطيرة، التي حمل على عاتقه أعباء مسؤوليتها.
ولو حاولنا استكشاف منهج الإمام الشهيد في الوحدة والتقريب بين المذاهب الإسلاميّة لوجدنا إيمانه قدس سره الراسخ، ووعيه العميق بأهمية الوحدة الإسلاميّة، وخطورتها ليس على صعيد المواجهة مع الخصوم الآيدلوجيين والتقليديين فحسب، وإنّما بضرورة تميز الأمة المسلمة ككيان حضاري إزاء الكيانات الأخرى. إنّ ذلك الإيمان والوعي الراسخين دفعاه إلى التأكيد على ضرورة تغليب الحرص على الكيان الإسلامي والغيرة عليه (2)، بل هو يدعو إلى ضرورة تنظيف مشاعرنا من الغيرة على المصالح الخاصة (كيانات مذهبية أو أفراد) لحساب الغيرة على الكيان الكلي للإسلام.
إنه قدس سره يرى أن المحنة التي تواجه الأمة كبيرة وكبيرة جداً، وهي تتعلق بمصيرها وبمستقبلها، ولذا لابد من وحدة المشاعر إزاء وحدة المحنة، ويفلسف ذلك قائلاً:
"لأن اختلاف الشعور يؤدي لا محالة إلى اختلاف الموقف الذي يتخذه الممتحن تجاه محنته، إذ تبعاً لنوعية الشعور سوف يتخذ الموقف المطلوب وفقاً لذلك الشعور.." (3).
ثم يضرب مثلاً على ذلك من واقع المحنة في العراق، ويأخذ نموذجاً لذلك محنة الصراع بين العرب والأكراد ـ وهي المحنة التي تعرض لها الشعب العراقي في مرحلة من تاريخه المعاصر ـ، ويعبر الإمام الشهيد عن هذه المسألة تعبيراً حذراً ودقيقاً إذ يقول "هناك محنة يعيشها العراق منذ سنين وسنين، محنة صراع مسلح بين أخوين مسلمين
__________________________________
1 ـ راجع مباحث الأصول السابق ص 88، ص 58 ـ 66، وراجع ص 77.
2 ـ المحنة الإمام الشهيد الصدر انتشارات ذو الفقار قم.
3 ـ المصدر السابق ص 26.