ـ(77)ـ
به، حتّى يغلب الرجال بخصومته، فعرفت أن القرآن لا يكون حجة إلاّ بقيم، فما قال فيه من شيءٍ كان حقاً، فقلت لهم: من قيم القرآن ؟ فقالوا: ابن مسعود، قد كان يعلم، وعمر يعلم، وحذيفة يعلم. قلت: كله ؟ قالوا: لا، فلم أجد أحداً يقال: إنه يعرف ذلك كله إلاّ عليا ـ عليه السلام ـ، وإذا كان الشيء بين القوم فقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: أنا أدري، فأشهد أن عليا ـ عليه السلام ـ كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجة على الناس بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وأن ما قال في القرآن فهو حق...)(1).
ومن خلال هذه المواقف استطاع أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ أن يحفظوا للقرآن موقعه الخاص في فكر وثقافة المسلم، من دون أن يعطلوا دوره في الحياة من خلال الوقوف عند ظواهره فقط، ومن دون أن يجعلوه عرضة للتفسيرات الباطلة من خلال فتح باب القول بالباطن على مصراعيه لكل أحد.
الحقيقة السادسة: قد يبرر البعض نسبة التشيع الإثني عشري إلى الباطنية من خلال ما يوحيه التأمل في مقولاته العرفانية والفلسفة، التي كثيراً ما تتطابق مع التصورات الفلسفية، التي شيدتها المذاهب الباطنية القديمة: كالهرمسية والأفلاطونية المحدثة. وهذا ما يؤكده البعض بقول قاطع حينما يكرر القول: (إنّ الشيعة أول من تهرمس في الإسلام)(2).
وتجذر هذه المقولة من خلال التأكيد على دور "هشام بن الحكم" ـ المتكلم الشيعي المعروف ـ في صياغة نظريات التشيع العقائدية والكلامية والفلسفية.
و (لقد نقل عنه مؤرخو الفرق آراء ونظريات ذات أصل هر مسي واضح، كما أشار بعضهم إلى تأثره بالديصانية وأخذه عنها.
والديصانية: فرقة غنوصية معروفة، تنسب إلى ديصان، أو برديصان، الذي ظهر في القرن الثالث الميلادي بمذهب عرفاني، كان عبارة عن أمشاج من الإفلاطونية المحدثة،
__________________________________
1 ـ أصول الكافي: 1: 129.
2 ـ نقد العقل العربي لمحمد الجابري 1: 200.