ـ(78)ـ
والفيثاغورية الجديدة، والرواقية المتأخرة. وبالتالي يلتقي مع الهرمسية في مجمل فلسفتها الإنتقائية. ولابد من الإشارة ـ إلى جانب ذلك كله ـ إلى ما هو معروف من رواج الموروث الهرمسي في حاشية جعفر الصادق نفسه، الذي ينسب إليه أنّه كان على علم بالكيمياء وعلوم الأسرار، وأن جابر بن حيان تتلمذ عليه)(1).
ومن هذه الفكرة انطلق الجابري، لا ليوازي بين التشيع والهرمسية فحسب، بل ليوازي ـ وبكل صلافة ـ بين التشيع والمانوية (2).
تلك العقيدة التي يقول عنها الجابري نفسه: (بالفعل، لقد روجت المانوية داخل المجتمع الإسلامي لعقيدة تتعارض تماماً مع الإسلام ديناً ودولة. لقد روجت لعقيدة تقول: إنّ العالم نشأ من امتزاج النور بالظلمة، وهما معاً قديمان. وهذا يمس مساً جوهرياً مبدأين أساسيين في العقيدة الإسلامية: وحدة الخالق من جهة، والخلق من عدم من جهة ثانية. ومن ناحية أخرى ركزت المانوية على أن الخلاص ـ أي: تخليص النور من الظلمة، وإنقاذ البشرية من الشرور والآلام ـ إنّما يكون بـ"التطهير" الذي يكون طريقه الزهد في الدنيا، وقمع الشهوات، وهدفه الاتصال بالله مباشرة. وفي هذا إنكار للنبوة، أو على الأقل استغناء عنها)(3).
__________________________________
1 ـ نقد العقل العربي لمحمد الجابري 1: 150.
2 ـ المصدر السابق 2: 230.
3 ـ المصدر السابق 2: 327.
(_) القي مشروع هذا البحث في الندوة الأولى التي عقدها مركز دراسات تاريخ العراق في قم المقدسة ـ لدراسة فكر الشهيد الصدر(رضي الله عنه) ـ 2 / ذو القعدة / 1414هـ.