ـ(74)ـ
الشيعة الحقيقيين هم: أولئك الّذين يحملون أسرار الأئمة ـ عليهم السلام ـ، بل في مقابل ذلك: (إنّ الّذين زعموا أو يزعمون وقف تعاليم الأئمة على الظاهر ـ أي: بعض مسائل الفقه والطقوس ـ يعرضون عن ما هو جوهر التشيع ويتجاهلونه)(1).
ولقد تجلت عظمة التشيع في القدرة على حفظ التوازن بين الظاهر والباطن، ولم يكن ذلك إلاّ بسبب تعاليم الأئمة ـ عليهم السلام ـ التي أمدت ظاهر الشريعة بتراثها الفقهي الخالد، وفجرت ينابيع الباطن والحقيقة بموروثها العرفاني والأخلاقي وعلى هذا الأساس تواجد الباطن والظاهر، وتوافقت الحقيقة والشريعة عند المسلم الإمامي من دون أزدواجية ولا تنافر، وهذا التوافق والإنسجام بين الظاهر والباطن في تصورات وممارسات الشيعة الإثني عشرية لم نجد ما يماثله حتّى في أقرب الفرق الإسلاميّة من الشيعة، وهم الإسماعيلية.
وهذا ما يذكرنا به "هنري كوربان" حينما يقول: (فبينا يجهد العرفان الشيعي الإثنا عشري للحفاظ على تأمين وتوازن الظاهر والباطن، يرى العرفان الإسماعيلي في مقابل ذلك: كلّ ظهور خارجي وكل مظهر لـه معنى داخلي مستور وحقيقة باطنية، وهذه الحقيقة الباطنية أسمى من الحقيقة الظاهرية، إذ بفهمها يتقرر التقدم الروحي للمستجيب.
إذنّ، فالظاهر صدفة لا بد من كسرها نهائياً، الأمر الذي يقوم به ويتمه التأويل الإسماعيلي؛ وذلك بأن يعود بمعطيات الشريعة إلى حقيقتها العرفانية (الغنوصية) التي هي: فهم المعنى الحقيقي للتنزيل والشريعة. فإذا ما تصرف المستجيب وفق المعنى الروحي سقطت عنه الالتزامات التي تفرضها الشريعة)(2).
الحقيقة الخامسة: إننا لنستطيع أن نجزم ـ وبدون أي تردد ـ بأن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ كانوا أول من اعتنى بقضية "الباطن" واعتبروها مسألة في غاية الخطورة، يهدد التعامل الخاطئ معها بتضييع جوهر الإسلام وتحويله إما إلى عقيدة ظاهرية جامدة، وإما إلى رؤية باطنية متحللة، وهذا ما يمكننا إدراكه من خلال استعراض
__________________________________
1 ـ تاريخ الفلسفة الإسلاميّة، لـ "هنري كوربان": 85.
2 ـ تاريخ الفلسفة الإسلامية لهنري كوربان: 85.