ـ(73)ـ
الشريعة وتجاوز الظواهر، بل إنّ تاريخ التشيع يشهد إنّ الظاهر والباطن ضلان يسيران في خط متواز من دون أن يلغي أحدهما الآخر، وهذا التوازن في الجمع بين الظاهر والباطن، أو بين الحقيقة والشريعة، على حد تعبير العرفاء والمتصوفة ـ كان وما يزال خصيصة من خصائص التشيع التي ميزّته عن غيره من الفرق الصوفية والباطنية منذ اليوم الأول لظهور هذه الفرق وانتشارها في الوسط الإسلامي.
وبذلك لم ينشأ أي إشكال في العلاقة بين الظاهر والباطن في الوسط الشيعي على مستوى التصور والممارسة، بينما نجد الإشكال قائماً في العلاقة بين الظاهر والباطن عند بقية المذاهب والفرق الإسلاميّة، ولم تجد حلاً لهذا الإشكال إلاّ في وقت متأخر، وبعد بروز التخبطات السلوكية، والتصورات النظرية الخاطئة اتجاه الموقف من الشريعة في حياة بعض المتصوفة وأهل الشأن الروحي في الإسلام.
وعلى هذا الأساس، فنحن نعي أن التشيع في الوقت الذي كان يصر على التمسك بالظاهر، كان يدرك أنّه يمثل باطن الإسلام الذي لا تكتمل حقيقته إلاّ من خلاله؛ وذلك لأن (الدين الحي الحق هو ذلك المتحقق في الشعور المتجدد المتطور للأمة المؤمنة به، وآية خصبة في تلك الصور المتعددة المتغورة التي يتخذها وفقاً للأزمان، وتبعاً للطابع العنصري المركب في هذه الأمة)(1).
وبتوثيق العلاقة بين الظاهر والباطن، وإحكام الصلة بين الشريعة والحقيقة يكون (للشيعة أكبر الفضل في إغناء المضمون الروحي للإسلام، وإشاعة الحياة الخصبة القوية العنيفة التي وهبت هذا الدين البقاء، قويا غنياً قادراً على إشباع النوازع الروحية للنفوس، حتّى أشدها تمرداً وقلقاً)(2).
وباطنية التشيع التي لم تدل على أي نسخ للشريعة (تشير بشكل يثير التقدير إلى وجود التشيع وكيانه ووعيه بأنه باطنية الإسلام، وأنه ليستحيل علينا تاريخياً أن نرجع إلى ما هو أقدم من تعاليم الأئمة ـ عليهم السلام ـ للوصول إلى منابع الإسلام الباطني. ولذلك فإن
__________________________________
1 ـ شخصيات قلقة في الإسلام لعبد الرحمان بدوي: 45.
2 ـ المصدر السابق.