ـ(69)ـ
ثنايا مشروعه "نقد العقل العربي" حينما اختزل التشيع في عرفانه، ولم تتجاوز نظرته للتشيع هذه الزاوية التي لا نقول: إنها ضيقة لا يمكن أن ينظر للتشيع من خلالها، ولكن ما نقوله: إنها ليست كلّ التشيع؛ ولذا (فإن باحثنا يرتكب خطأ منهجياً في تصنيفه للتشيع، إذ هو يدرجه إلى جانب التصوف والكيمياء والتنجيم، ويجعل منه نظاماً عرفانياً ولكن ليس التشيع مجرد ميدان علمي، ولا هو مجرد فرع من فروع الثقافة الإسلاميّة، وإنّما هو مذهب، وهو مقالة ومنطوق، وهو اجتهاد وتأويل. إنه "عقل" كما قال الجابري، بل الأحرى القول: إنه وجهة نظر تجلت في مختلف فروع الثقافة الإسلامية ومجالاتها في الفقه والحديث، وفي التفسير والكلام، وفي التصوف والفلسفة، ولذا فإنه من الخطأ أن ينظر إلى التشيع أو إلى التسنن بوصفهما نظامين عرفانيين لا غير ففي التشيع ـ كما في التسنن ـ بيان وعرفان وبرهان إذا كان لنا أن نأخذ بمصطلحات الجابري. وليس العرفان حكراً على الشيعة من دون أهل السنة)(1)
الحقيقة الثانية: أن التشيع الإمامي ـ ولا سيما من خلال مروياته ونصوصه الدينية ـ لا يخفي تجاهره بالقول بالباطن والتأويل في تعامله مع الحقائق الدينية، وقد تواترت الأخبار عن أئمة أهل البيت ـ عليهم السلام ـ في أن للقرآن ظاهراً وباطناً إلى سبع بطون أو أكثر.
فقد روى العياشي وغيره عن جابر قال: سألت أبا جعفر ـ عليه السلام ـ عن شيءٍ من تفسير القرآن ؟ فأجابني، ثم سألت ثانية ؟ فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك، كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم! فقال لي: يا جابر، إنّ للقرآن بطناً، وللبطن بطناً وظهراً، وللظهر ظهراً، يا جابر، وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن. إنّ الآية لتكون أولها في شيءٍ وآخرها في شيءٍ، وهو كلام متصل ينصرف على وجوه)(2).
وفي "الكافي": روي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ أنّه قال في القرآن "... وله ظهر وبطن،
__________________________________
1 ـ مداخلات علي حرب: 17.
2 ـ البرهان في تفسير القرآن للسيد هاشم البحراني 1: 2.