ـ(68)ـ
أن هذا التصوير البشع تؤيده حقيقة حالهم)(1).
وعلى كلّ حال، فسواء صحت نسبة تلك التهم والتشنيعات بالنسبة إلى الإسماعيلية أم لم تصح، فإنها تدلنا على مدى الغموض والإبهام الذي يحيط محاولات التوصل إلى حقيقة إحدى أشهر الفرق الباطنية في تاريخ الإسلام. وإذا كان الأمر بالنسبة إلى الإسماعيلية هكذا، فكيف سيكون حال الباحث حيال الفرق الباطنية المغمورة، التي لا تجهر بنشر ما يمكن أن يفصح عن حقيقة معتقداتها؟
ومن هنا تبرزلنا صعوبة فهم العلاقة بين التشيع الإثني عشري والباطنية على مستوى الدلالة اللفظية لمصطلح "الباطنية"، وعلى مستوى الدلالة المعنوية لمضامين "الباطنية"؛ وذلك لأننا في مواجهة مصطلح عائم ـ في الوقت نفسه ـ لا نستطيع أن ننفيه بكل مداليله عن التشيع الاثني عشري لنقول: إنّ التشيع عقيدة ظاهرية بحتة لا تؤمن بباطن وراء الظاهر، ولا نستطيع أيضاً أن نثبته وننسبه بكل مضامينه للتشيع الإثني عشري، فنقول: إنّ التشيع عقيدة باطنية خالصة تنتصر في كلّ الأحوال للباطن على حساب الظاهر.
وأمام هذه المشكلة، لا نجد محيصاً من أجل إبراز الصورة الواقعية التي تحكم العلاقة بين المعتقد الشيعي الإمامي، والباطنية على وجه العموم، والتي تحكم العلاقة بين التشيع الروحي والباطنية على وجه الخصوص من بيان الحقائق التالية:
الحقيقة الأولى: أن التشيع كما كان لـه وجهة نظره في التأويل والرمز والباطن ـ وهي مقولات لا تتوافق إلاّ مع المنهج الباطني، ولا تصدر إلاّ عن رؤية باطنية في تفسير حقائق الوجود والدين معاً ـ فإن لـه وجهات نظر في علوم ومعارف: كالفقه، والأصول، وعلوم العربية لا يستقيم التعامل معها إلاّ على ضوء المنهج الظاهري ـ إنّ صح التعبير ـ في الفهم والتفسير.
ومن هذا يتضح لنا الخطأ المتكرر الذي ارتكبه "الدكتور محمّد عابد الجابري" في
__________________________________
1 ـ العقيدة والشريعة في الإسلام: 215.