ـ(62)ـ
مع افتراضها من الظواهر الاجتماعية ـ كما هو غير بعيد ـ فالصدور التلقائي عنها هو الذي ينظم حياة أكثر الناس.
والقول بأن: (ترك العمل على طبق الحالة السابقة والعمل بالاحتياط لا يوجب اختلال النظام، ولذا لا يختل نظام من لا يقول بحجية الاستصحاب رأساً)(1)، لا يخلو من غرابة لأن هؤلاء المنكرين لحجيته (عندما أنكروها لم يتخلوا في واقع حياتهم عن الجري على وفق الاستصحاب، وإن تخلوا عنه في الشرعيات(2).
ولولاه لعد إرسال المكاتيب والهدايا من البعد سفهاً، وهكذا فأن هذه المقدمة سليمة عن المناقشات المذكورة.
أما المقدمة الثانية، وهي موافقة الشارع لبناء العقلاء، فقد ناقشها صاحب الكفاية بقوله:
(لم يعلم أن الشارع ببنائهم راض... ويكفي في الردع عن مثله ما دل من الكتاب والسنة على النهي عن اتباع غير العلم، وما دل على البراءة أو الاحتياط في الشبهات، فلا وجه لاتباع هذا البناء فيما لابد من اتباعه عن الدلالة على إمضائه)(3).
وقد أجيب عن ذلك:
بأننا لا نحتاج إلى دليل على إحراز إمضاء الشارع لهذه السيرة، إذ أن نفس بناء العقلاء، هو الدليل والكاشف عن موافقته لهم، لأنه رئيس العقلاء، ويكفي في إثبات ذلك عدم ثبوت الردع عنه وهو بمرأى منه، بعد أن فرضت أنها من الظواهر الاجتماعية العامة.
وأما الآيات الرادعة عن اتباع غير العلم كقوله تعالى: [ولا تقف ما ليس لك به علم](4)، وقوله تعالى: [إنّ الظن لا يغني من الحق شيئاً](5)، فلا تصلح للردع في المقام، لأنها واردة في أصول الدين، والمقصود من النهي عن اتباع غير العلم هو النهي عنه لإثبات الواقع به، وليس المقصود من الاستصحاب إثبات الواقع، فلا يشمله النهي، إذ
_________________________________
1 ـ الباغميشة: مباني الاستنباط 4: 12.
2 ـ الحكيم: الأصول العامة: 459.
3 ـ الخراساني: كفاية الأصول 2: 399.
4 ـ الإسراء: 66.
5 ـ يونس: 36.