ـ(61)ـ
الشارع كان ماضياً)(1).
فالدليل هنا مؤلف من مقدمتين وهما:
أوّلاً: استقرار بناء العقلاء على طبق الحالة السابقة.
ثانياً: إمضاء الشارع لهذا البناء.
وقد أجيب عن هاتين المقدمتين:
أما المقدمة الأولى فبإنكار سيرة العقلاء في المقام، وما يرى من جري عملهم على طبق اليقين السابق ليس لأجل الاستصحاب المصطلح، بل لأمور مختلفة:
منها: الاطمئنان بالحالة السابقة كما يرى ذلك في التجار، فأنهم يبعثون أموالهم إلى وكلائهم في البلدان في حالة اطمئنانهم ببقائهم، وإذا فرض موت جماعة في بلد الوكيل ـ لهزة أرضية ونحوها ـ واحتمل أن يكون الوكيل منهم، لم يبعث التاجر ماله إليه اعتماداً على الاستصحاب.
ومنها: رجاء البقاء، كما لو فرض بقاء ولد شخص في واد من الأودية، فإنه يبعث إليه الغذاء والماء رجاء لبقائه، كي لا يموت جوعاً أو عطشاً على تقدير حياته، ولو فرض الظن بعدم بقائه لبعثه إليه احتياطاً.
ومنها: الغفلة وعدم الالتفات إلى عدم البقاء، كرجوع الإنسان إلى داره ومسكنه، فإنه كثيراً ما يكون غافلاً عن خرابه، ولا يبعد أن يكون رجوع الحيوانات من الطيور إلى أوكارها من هذا القبيل (2).
والواقع أن هذه التعليلات لما يصدرون عنه من الموارد الاستصحابية لا تلتئم مع واقع أكثر هم لعدم الالتفات إليها.
وقد تبنى السيد الحكيم في أصوله العامة اعتبار الاستصحاب من الظواهر الاجتماعية العامة، التي ولدت مع المجتمعات ودرجت معها، وستبقى ـ كما يقول ـ ما دامت المجتمعات ضمانة لحفظ نظامها واستقامتها(3).
__________________________________
1 ـ القمي: قوانين الأصول 2: 57 الكاظمي، محمد مهدي: العناوين: 50.
2 ـ الباغميشة: مباني الاستنباط 4: 11.
3 ـ الحكيم: الأصول العامة: 459.