ـ(58)ـ
فيها قول الإمام ـ عليه السلام ـ (و لا يُنقض اليقين أبداً بالشك، ولكن ينقض بيقين آخر).
فاللام في اليقين للجنس، تستغرق كلّ يقين، سواء أكان يقيناً بالوضوء أم بغيره، تماماً كقوله تعالى [وأحل الله البيع وحرم الربا)(1)، الشامل لكل بيع ورباً دون استثناء والفرق تحكم(2).
وقد يقال: إنّ اللام في اليقين للعهد لا للجنس بالنظر إلى ذكر الوضوء في الجملة الأولى، وعليه ينحصر موضوع الرواية بخصوص الوضوء، ويسقط الاستدلال بها كأصل عام لكل يقين طرأ الشك بعده.
وقد أجيب عن ذلك:
أوّلاً: ليست هناك خصوصية للوضوء دون غيره في نظر الشرع والعرف، أما الشرع فواضح لأنه نهى صراحة عن نقض اليقين بالشك في الصلاة، والصيام، والطهارة، كما نهى عن نقضه في الوضوء.
وأما العقل والعقلاء، فإنهم لا يرون أية ميزة وتفرقة بين اليقين بالوضوء، واليقين بنواقضه ولا بين اليقين بالجنابة، واليقين بالغسل منها.
ثانياً: إنّ اليقين في الجملة الثانية مطلق ومجرد عن كلّ قيد، والمطلق يجري على إطلاقه مالم يقم دليل على التقييد، ولا دليل هنا، ولو أراد الشارع التقييد لقال: (لا ينقض اليقين بالوضوء فدل سكوته عن القيد إرادة الإطلاق(3).
كما أن المتبادر من قوله ـ عليه السلام ـ: ( لا تنقض اليقين أبداً بالشك) أن العلة الموجبة للحكم بعدم نقض الشك لليقين هي: قوة اليقين، وضعف الشك من حيث هما لا من حيث ما وقعا عليه وتعلقا به، والحكم يدور مدار علته وجوداً وعدماً، فمتى وأين وجد اليقين ثم طرأ شك يبقى اليقين على سلطانه نهياً وأمراً وعملاً وأثراً، (حتّى يخلفه يقين آخر في حجته ومنزلته، لا فرق في ذلك بين واقعة وواقعة، ولا بين شخص وشخص.
__________________________________
1 ـ البقرة: 275.
2 ـ الباغميشة، أبو القاسم: مباني الاستنباط: 164.
3 ـ الحيدري، علي نقي: أصول الاستنباط 2: 211 ـ 212.