ـ(57)ـ
الدلالة على الاستصحاب، وإذا اختلفت في شيءٍ فإنها تختلف في نوع الدلالة مطابقة أو التزاماً، وتكراراً واختصاراً، ولا نجد فيها أي جديد لا نجده في الرواية التي سنذكرها، وهي: صحيحة زرارة، قال: قلت لـه ـ أي للإمام الباقر ـ عليه السلام ـ: الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء ؟ قال: قد تنام العين ولا ينام القلب والأذن، فإذا نامت العين والأذن والقلب فقد وجب الوضوء، قلت: فإن حرك إلى جنبه شيء ولم يعلم به ؟ قال: لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام، حتّى يجيء من ذلك أمر بين، و إلاّ فإنه على يقين من وضوئه، ولا ينقض اليقين أبداً بالشك، ولكن ينقضه بيقين آخر)(1).
والاستدلال بهذه الرواية يكون من جهتين:
أولاً: شمول هذه الرواية للشبهات الموضوعية والحكمية.
ثانياً: دلالتها على حجية الاستصحاب في مختلف أبواب الفقه.
فقد تضمنت الرواية سؤال السائل عن الشبهتين معاً، أما الشبهة الحكمية فالذي يشير إليها هو قول زرارة: (الرجل ينام وهو على وضوء أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء ؟) أي أن النوم الناقض للوضوء هل يشمل الخفقة والخفقتين، أو يقتصر على ما هو أشد منهما فيكون الأمر مردداً بين الأقل والأكثر ؟ وكان جواب الإمام: (فإذا نامت العين، والأذن والقلب فقد وجب الوضوء) أي اعتبار الأكثر في الناقضية دون الأقل.
أما دلالة الرواية على الشبهة الموضوعية فأنها تستفاد من قوله: (فان حرك في جنبه شيء ولم يعلم به ) فالسائل هنا عالم بالحكم في أنّه إذا تحقق النوم يجب عليه الوضوء، ولكنه يريد أن يسال عن حكم الشك في موضوع النوم، فأجاب الإمام ـ عليه السلام ـ: (لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام...).
أي: إنه إنّما يجب عليه الوضوء عندما يتحقق منه اليقين بذلك، ولا يجب عليه في صورة الشك (2).
أما دلالة الرواية في كونها قاعدة عامة تنطبق على جميع الموارد، فمحل الشاهد
__________________________________
1 ـ الطوسي، محمّد بن الحسن: التهذيب 1: 8.
2 ـ المظفر: أصول الفقه 3: 297 ـ 298.