ـ(54)ـ
ويمكننا التعرف على ذلك من خلال النظر إلى أقوال أعلام المذاهب المذكورة:

رأي أعلام الجمهور:
قال الآمدي من الشافعية: (ذهب جماعة من أصحاب الشافعي ـ كالمزني، والصيرفي، والغزالي ـ وغيرهم من المحقق إلى الاحتجاج به، وهو المختار، وسواء كان ذلك الاستصحاب لأمر وجودي أو عدمي، أو عقلي، أو شرعي؛ وذلك لأن ما تحقق وجوده أو عدمه في حالة من الأحوال فإنه يستلزم ظن بقائه، والظن حجة متبعة في الشرعيات)(1).
وقال ابن قدامة الحنبلي (ت 620 هـ): ( فالاستصحاب إذا عبارة عن التمسك بدليل عقلي أو شرعي، وليس راجعاً إلى عدم الدليل، بل إلى دليل ظن مع انتفاء المغير أو العلم به)(2).
أما القرافي المالكي (ت 684 هـ) فقد قال: (الاستصحاب ومعناه: أن اعتقاد كون الشيء في الماضي أو الحاضر يوجب الظن بثبوته في الحال أو الاستقبال، فهذا الظن عند مالك، والإمام المزني، وأبي بكر الصيرفي رحمهم الله حجة)(3).
غير أن الذي جاء في كتب الأصول: أن جمهور الحنفية والمالكية يقولون: (إنّ الاستصحاب حجة للدفع لا للإثبات، وإن أكثر المتكلمين يقولون: إنه ليس بحجة)(4).
والقول بالاستصحاب كما قال القرطبي: (لازم لكل أحدٍ، لأنه أصل تبنى عليه النبوة والشريعة، فإن لم نقل باستمرار حال تلك الأدلة لم يحصل العلم بشيءٍ من
__________________________________
1 ـ الأحكام في أصول الأحكام للآمدي 4: 111، والوسيط للزحيلي: 557.
2 ـ روضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة المقدسي: 80.
3 ـ القرافي، شهاب الدين أحمد بن إدريس: شرح تنقيح الفصول في الأصول: 199.
4 ـ الوسيط للزحيلي: 557. وفيه قال الزحيلي: (أي: إنه يصلح لأن يدفع به من ادعى تغير الحال؛ لإبقاء الأمر على ما كان، أي: ان الاستصحاب لا يثبت به إلاّ الحقوق السلبية، فلا يثبت حكماً جديداً، وإنّما يستمر به حكم العقل بالإباحة الأصلية، أو البراءة، أو ببقاء حكم الشرع بشيءٍ بناءً على تحقق السبب الذي ربط به هذا الحكم، ولهذا قالوا: إنّ الاستصحاب حجة لإبقاء ما كان على ما كان، لا لإثبات مالم يكن).