ـ(46)ـ
قدرتها على الممكن فتتلمس حدود التفويض، فهي تتحرك بين هذين الطرفين، ولا تكون في أحدهما قط. ومن هنا يقول ابن المعلم: (إنّ الإرادة عند الإنسان تعني: المشيئة والرغبة. وهي بلا ريب حادثة في الإنسان، فهي زائدة على ذاته، (و) وجودها يتبع أسبابه)(1).
ولا تختلف إرادة الإنسان في الدنيا عن إرادته في الآخرة، بمعنى: أنها إرادة حرة، والإنسان لا يفقد اختياره هناك. يقول ابن المعلم: (إنّ أهل الآخرة مختارون لما يقع منهم من الأفعال، وليسوا مضطرين ولا ملجئين وإن كان لا يقع منهم الكفر والفساد)(2)
ويرجع استغناؤهم عن فعل القبح (لتوفر دواعيهم إلى محاسن الأفعال، وارتفاع دواعي فعل القبيح عنهم على كلّ حال)(3). وهذا تفسير أدق وأكثر صحة مما ذهب إليه أبو الهذيل العلاف حين قال: (إنّ أهل الآخرة مضطرون إلى الأفعال)(4).
لقد تركت تحليلات ابن المعلم للإرادة والاختيار بصمات واضحة على الفكر الإسلامي، فقد ذهب ابن حزم إلى أن (الاستطاعة التي يكون بها الفعل هي قبل الفعل موجودة في الإنسان)(5)، والى (أن للإنسان اختياراً؛ لأن أهل الدنيا وأهل الجنة سواء في أنّه تعالى خالق أعمال الجميع. على أن الله تبارك وتعالى قال: [وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة](6)، فعلمنا: أن الاختيار الذي هو فعل الله تعالى ـ وهو منفي عن سواه ـ هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به. ووجدنا هذا أيضاً حساً؛ لأن الاختيار الذي توحد الله تعالى به هو: أن يفعل ما شاء، كيف شاء، وإذا شاء، وليست هذه صفة شيءٍ من خلقه. وأما الاختيار الذي أضافه الله تعالى إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى شيءٍ، والإيثار لـه على غيره)(7).
__________________________________
1 ـ محمّد حسن آل ياسين في الشيخ المفيد: ص 5.
2 ـ ابن المعلم في أوائل المقالات: 106.
3 ـ المصدر السابق: 107.
4 ـ المصدر السابق: 106.
5 ـ ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 3: 18.
6 ـ القصص: 68.
7 ـ ابن حزم في الفصل في الملل والاهواء والنحل 3: 20.