ـ(45)ـ
ما لا أول لـه من الإرادات، وهذا محال بين الفساد.
وليس يصح أن تراد بنفسها؛ لأن من شأن الإرادة أن تتقدم مرادها فلو وجب أو جاز أن تراد الإرادة بنفسها لوجب أو جاز وجود نفسها قبل نفسها، وهذا عين المحال.
وقد أطلق بعض أهل النظر من أصحابنا: أن الإرادة مرادة بنفسها، وعنى به: أفعال الله تعالى الواقعة من جهته واختراعه وإيجاده؛ لأنها هي نفسها إرادته وإن لم تكن واقعة منه بإرادة غيرها، وليس يصح ذلك فيها، وهذا مجاز واستعارة)(1).
الإرادة الإلهية تتقدم مرادها شأن الإرادة الإنسانية، وكلتا الإرادتين لا تحتاج في الوجود إلى إرادة موجدة لها، والإ تسلسل الأمر إلى مالا نهاية.
ثم إنّ الإرادة (التي هي قصد لإيجاد أحد الضدين الخاطرين ببال المريد موجبة لمرادها، وأنه محال وجودها وارتفاع المراد بعدها بلا فصل، إلاّ أن يمنع من ذلك من فعل المريد)(2).
الإرادة في جوهرها ليست شيئاً آخر غير الاختيار، وبالتالي فإن إرادة الشيء هي: اختياره، كما أن (اختياره هو:إرادته وإيثاره. وقد تعبر هذه اللفظة عن المعنى الذي يكون قصداً لأحد الضدين، ويعبر بها أيضاً عن وقوع الفعل على علم به..، ويعبر بلفظ "مختار" عن القادر خاصة، ويراد بذلك: أنّه متمكن من الفعل وضده دون أن يراد به القصد والعزم)(3).
في الإرادة إذن علم بالمراد، وبكونه ضمن الاستطاعة والقدرة، مع إيثاره على موضوع آخر معلوم ومتمكن منه. وهذا التحليل "لعملية الإرادة" وفعلها يربط بينها وبين "الاستطاعة" مع توسطها بين "الجبر" و"التفويض". فالفعل المراد حقاً لا يتعلق بالمحال، بل بالممكن فقط، والممكن مرتبط ـ من الناحية الواقعية ـ بالاستطاعة. وبهذا فإن الإرادة حين تتعلق بالممكن تعني: ما هو فوق طاقتها، فتتلمس حدود الجبر، وتدرك
__________________________________
1 ـ ابن المعلم في أوائل المقالات: 132.
2 ـ المصدر السابق.
3 ـ ابن المعلم في أوائل المقالات: 132.