ـ(44)ـ
مستطيعاً ممنوعاً من الفعل، والمنع لا يضاد الاستطاعة، وإنّما يضاد الفعل، ولذلك يكون الإنسان مستطيعاً للنكاح وهو لا يجد المرأة ينكحها، وقد قال الله تعالى: [ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً] (1)، فأوجب الحج على الناس والاستطاعة قبل الحج)(2).
أيّد ابن حزمٍ كون الاستطاعة قبل الفعل بدليل: أن الكافر (لا يخلو من أمرين: إما أن يكون مأموراً بالإيمان، أو لا يكون مأموراً به، فإن قلتم: إنه غير مأمور بالإيمان فهذا كفر مجرد، وخلاف للقرآن والإجماع. وإن قلتم: هو مأمور بالإيمان ـ وهكذا تقولون ـ فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون أمر وهو يستطيع ما أمر به فهذا قولنا لا قولكم، أو يكون أمر وهو لا يستطيع ما أمر به فقد نسبتم إلى الله ـ عز وجل ـ تكليف ما لا يستطاع، ولزمكم أن تجيزوا تكليف الأعمى أن يرى، والمقعد أن يجري... وهذا كله جور وظلم والجو والظلم منفيان عن الله (ثم إنّ تكليف الله الإنسان بالحج "من استطاع إليه سبيلاً"، يعني: أنّه) لو لم تتقدم الاستطاعة الفعل لكان الحج لا يلزم أحداً قبل أن يحج)(3).
ويطرد التطابق بين رأي ابن حزم في هذه المسألة وبين رأي ابن المعلم باستثناء عد ابن حزم ارتفاع الموانع من الاستطاعة، فهذا خلاف ما قرره ابن المعلم. يقول ابن حزم: (سلامة الجوارح وارتفاع الموانع استطاعة)(4).
(ج) الإرادة:
ميز ابن المعلم بين "الإرادة الإلهية" والإرادة الإنسانية في معرض فحصه عن حقيقة الإرادة هل هي مرادة بنفسها، أم بإرادة غيرها، أم ليس إلى إرادة؟ فقال: (إنّ الإرادة لا تحتاج إلى إرادة؛ لأنها لو احتاجت إلى ذلك لما خرجت إلى الوجود إلاّ بخروج
__________________________________
1 ـ آل عمران: 97.
2 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 199.
3 ـ ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل 3: 21.
4 ـ المصدر السابق: 3: 24.