ـ(43)ـ
الوصف.. فالواجب أن نشرح المذهب المتوسط بينهما، فإنه كاد أن يندرس أثره، وتخفى على الناس حقيقته، هذا مع قوة الحق في نفسه، و وهي الباطل في ذاته)(1).
ويمضي في شرح المذهب المتوسط بين: "الجبر والتفويض " فينتهي إلى (أن من جرد النظر للجهة الأولى ـ وهو: جود الباري وحكمته ـ وسيب النظر إلى الجهة الثانية وهو: نزارة العبد وضعفه ـ أداه إهماله النظر الثاني إلى اعتقاد التفويض. ومن جرد النظر للجهة الثانية ـ وهو: نزارة العبد وضعفه ـ وسيب النظر إلى الجهة الأولى ـ وهو: جود الباري جل جلاله وحكمته ـ أداه إهماله النظر الأول إلى اعتقاد الجبر، ومتى جمع بينهما سلم عن الطرفين معاً)(2).
ونود أن نلفت أنظار الباحثين إلى ما بين عبارات العامري في هذا "الرسالة"، وعبارات ابن المعلم من تماثل في كثير من المصطلحات، فضلاً عن تطابق التحليل، والنتائج، والإستشهادات، سواء فيما يتعلق بمذهب حرية الإرادة المتوسطة بين "الجبر" و"التفويض" أو بموضوع خلق الأفعال، حيث نجد في حديث العامري تفصيلاً دقيقاً، وواضحاً لكثيرٍ من العبارات التي وردت عند ابن المعلم مجملة، أو ساقها بدون بيان كفا لمعانيها أو أبعادها.
ب ـ الاستطاعة:
الاستطاعة في اللغة هي: "الطاقة"، إلاّ أن "الاستطاعة" للإنسان خاصة، و"الإطاقة" عامة (3). فإذا قلنا: إنّ للإنسان استطاعة على الفعل قصدنا بهذا: أن الله تعالى قد أعطاه ما يمكنه من تسخير الأشياء لـه. وقد عرف ابن المعلم الاستطاعة فقال: إنها (في الحقيقة هي: الصحة والسلامة، فكل صحيح فهو مستطيع، وإنما يعجز الإنسان ويخرج عن الاستطاعة بخروجه عن الصحة. وقد يكون مستطيعاً للفعل من لا يجد آلة لـه، ويكون
__________________________________
1 ـ رسائل أبي الحسن العامري وشذراته الفلسفية، تحقيق د. سحبان خليفات، ورسالة "إنقاذ البشر من الجبر والقدر": 265.
2 ـ المصدر السابق: 267.
3 ـ ابن منظور في لسان العرب 8: 242 (مادة: طوع) بتصرف.