ـ(41)ـ
لهم في دينهم ودنياهم، وإنه لا يدخرهم صلاحاً ولا نفعاً، وإن من أغناه فقد فعل به الأصلح في التدبير، وكذلك من أفقره، ومن أصحه، ومن أمرضه.."وإن من علم الله" أنّه إنّ أبقاه تاب من معصيته، لم يجز إنّ يخترمه، وإن عدل الله جل اسمه: وجوده، وكرمه، يوجب ما وصفته، ويقضي به، ولا يجوز منه خلافه؛ لاستحالة تعلق وصف العبث به أو البخل أو الحاجة)(1). وبهذا يتصح: أنّه لا فرق بين رأي ابن المعلم في الأصلح، بين رأي المعتزلة، إلاّ من جهة إنّ الأصلح يكون من الله ـ عند المعتزلة ـ بمقتضى العدل الإلهي، ويكون ـ عند ابن المعلم ـ من جهة الجود والكرم، وهذا تقرير يقبل الدفاع عنه بحجج أقوى بدون التعرض لاعتراضات الأشعري على الفكرة.
إنّ "الأصلح" بينة على حرية الإرادة الإنسانية المكلفة، والمحملة بالأعباء بعيداً عن الإكراه والقهر. ولابن المعلم دليل آخر على عدم تدخل الله في أفعال المكلفين، فحين يقول الله تعالى:[ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا](2) فإنه يفهم من ذلك: (الإخبار عن قدرته، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى الإيمان ويحملهم عليه بالإكراه والاضطرار لكان على ذلك قادراً، لكنه شاء تعالى منهم الإيمان على الطوع والاختيار وآخر الآية يدل على ما ذكرناه وهو قوله تعالى: أفأنت تكره الناس حتّى يكونوا مؤمنين)(3).
مكونات الإرادة الحرة
يوضح ابن المعلم أبعاد الإرادة الإنسانية الحرة، والمتمثلة في كونها وسطاً بين الجبر والتفويض، واستنادها إلى استطاعة سابقة على الفعل، وإرادة بها يكون الاختيار للفعل
__________________________________
1 ـ المصدر السابق: 64.
2 ـ يونس: 99.
3 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 193. ويقول ابن المعلم: (إنّ الله ـ جل جلاله ـ عدل كريم، لا يعذب أحداً إلاّ على ذنب اكتسبه، أو جرم اجترمه، أو قبيح نهاه عنه فارتكبه، وهذا مذهب سائر أهل التوحيد، سوى الجهم بن صفوان، وعبد السلام الجبائي. فاما الجهم بن صفوان: فإنه كان يزعم: أن الله يعذب من اضطره إلى المعصية، ولم يجعل لـه قدرة عليها، ولا على تركها من الطاعة). أوائل المقالات: 67.