ـ(39)ـ
إليهم، ولم يسألهم عما قضى عليهم"(1) مما يدل على إنّ الأفراد محاسبون على ما كلفوا به، فعلوه أو لم يفعلوه، وليسوا محاسبين على ما فعله الله فيهم. فإذا صح الحساب، صح بالضرورة أنهم محاسبون على أعمالهم التي فعلوها.
العدل الإلهي
يرتبط مبدأ "العدل الإلهي" بحرية الإرادة الإنسانية، فلو كان الله غير عادل لصح مذهب الجبر، إذ يثيب من لا يد لـه في حسن، ويعاقب من لا قدرة لـه على معصية. أما: والله تعالى عادل: فإنه لا يثيب ولا يعاقب إلاّ على الأفعال التي قام بها الإنسان حرّاً، مختاراً، مستطيعاً.
إنّ "للعدل" في اللغة معان كثيرة، وما يتعلق منها بموضوع البحث هو: معنى الإنصاف في الحكم. وقد بين سعيد بن جبير هذا المعنى في رده على الخليفة عبد الملك حين كتب يسأله عن العدل ؟ فقال ابن جبير: (إنّ العدل على أربعة أنحاء: العدل في الحكم، قال الله تعالى: [وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط](2). أما المعاني الأخرى فهي "العدل في القول" و"الفدية" و"الإشراك".
وفيما يتصل بالمعنى الأول: فإن العدل في الحكم والأفعال يعنيان: "المساواة"، يقال في اللغة: "فلأن يعدل فلاناً"، أي: يساويه ويقال: "ما يعدلك عندنا شيء" أي ما يقع عندنا شيء موقعك. وعدل "الموازين والمكاييل" سواها. و(عدل الشيء يعدله عدلاً وعادله: وازنه. وقيل العدل: تقويمك الشيء من غير جنسه حتّى تجعله لـه مثلاً)(3).
وإذا كان العدل هو: المساواة فإن ابن المعلم يقرر في ضوئه: إنّ (العدل هو: الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه، والظلم هو: منع الحقوق، والله تعالى كريم، جواد، متفضل، رحيم، قد ضمن الجزاء على الأعمال، والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد
__________________________________
1 ـ ابن المعلم في كتاب الإرشاد: 282.
2 ـ ابن منظور في لسان العرب 11: 431، والسورة هي: "المائدة": الآية 42، وفي الأصل: "العدل" وهو غير ما في القرآن.
3 ـ المصدر السابق 11: 432.