ـ(37)ـ
أحكامه تعالى حق، والمعاصي منهم، ولا لذلك فائدة، وهو لغو بالاتفاق، فبطل قول من زعم إنّ الله تعالى يقضي بالمعاصي والقبائح.
والوجه عندنا في "القضاء والقدر" ـ بعد الذي بيناه في معنى: إنّ لله تعالى في خلقه قضاء وقدراً، وفي أفعالهم أيضاً قضاء وقدراً ـ معلوم، ويكون المراد بذلك: أنّه قد قضى في أفعالهم الحسنة بالأمر بها، وفي أفعالهم القبيحة بالنهي عنها، وفي أنفسهم بالخلق لها، فليس فعله فيهم بالإيجاد لـه والقدرة منه سبحانه ـ فيما فعله ـ إيقاعه منه في حقه، وفي موضعه، وفي أفعال عباده ما قضاه فيها من الأمر والنهي، والثواب والعقاب؛ لا، ذلك كله واقع موقعه، موضوع في مكانه، لم يقع عبثاً، ولم يصنع باطلاً. فإذا فسر القضاء ـ في أفعال الله تعالى ـ والقدر بما شرحناه زالت الشنعة منه، وثبتت الحجة به، ووضح الحق فيه لذوي العقول، ولم يلحقه فساد ولا إخلال)(1)؟
وبعد إنّ قرر ابن المعلم المعنى الصحيح "للقضاء والقدرة في الإسلام لم يتردد في نقد ما ذهب إليه الفكر الشيعي فقد ذهب أبو جعفر إلى القول: بأن (أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك: أنّه لم يزل عالماً بمقاديرها)(2).
ويرد ابن المعلم على هذه الدعوى بقوله: (إنّ أفعال العباد غير مخلوقة لله، والذي ذكره أبو جعفر قد جاء به حديث غير معمول به، ولا مرضي الإسناد، والأخبار الصحيحة بخلافه، وليس يعرف في لغة العرب إنّ العلم بالشيء هو خلق لـه)(3).
وينقل عن أبي الحسن الثالث ـ عليه السلام ـ (أنّه سئل عن أفعال العباد، فقيل لـه: هل هي مخلوقة لله تعالى ؟ فقال ـ عليه السلام ـ: لو كان خالقا لها لما تبرأ منها، وقد قال سبحانه: [إنّ الله بريء من المشركين ورسوله](4)، ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنّما تبرأ من شركهم وقبائحهم.
وسأل أبو حنيفة أبا حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن أفعال العباد ممن هي ؟ فقال
__________________________________
1 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 194.
2 ـ المصدر السابق: 186.
3 ـ المصدر السابق: 186.
4 ـ التوبة: 3.