ـ(36)ـ
عن مذهب الجبرية عن كونه صيغة لفظية تهدف إلى تسويقها بين الناس.
والسؤال الآن هو: إذا كان ابن المعلم قد فهم "القضاء" لغة ونصاً بعيداً عن الجبر، فكيف وظف هذا التحليل اللغوي المنطقي في نقد مذهب الجبرية وإثبات مذهب حرية الإرادة ؟
يقول ابن المعلم: (الجبر: هو الحمل على الفعل، والاضطرار إليه بالقهر والغلبة، وحقيقة ذلك: إيجاد الفعل في الخلق من غير إنّ يكون لـه قدرة على دفعه، والامتناع من وجوده فيه.. ومذهب الجبر هو: قول من يزعم إنّ الله تعالى خلق في العبد الطاعة من غير إنّ يكون للعبد قدرة على ضدها، والامتناع منها، وخلق فيه المعصية)(1) أيضاً.
مذهب الجبرية أذان جملة "مزاعم" قوامها خلق الله الأفعال في الإنسان، وافتقار هذا الأخير إلى قدرة أو استطاعة فاعلة وحقيقية. ويستند ابن المعلم إلى تحليله معاني "القضاء" الدائرة بين "الخلق"، و"الأمر"، و"الإعلام"، و"الحكم" فيقول: (إذا ثبت ما ذكرناه من أوجه "القضاء" بطل قول المجبرة: إنّ الله خلق العصيان في خلقه، فكان يجب إنّ يقولوا: "قضى في خلقه بالعصيان"، ولا يقولوا: "قضى عليهم"؛ لأن الخلق فيهم لا عليهم، مع إنّ الله تعالى قد أكذب من زعم أنّه خلق المعاصي، لقوله سبحانه: [الذي أحسن كلّ شيءٍ خلقه](2) فنفى عن خلقه القبح وأوجب لـه الحسن، والمعاصي قبائح بالاتفاق.
ولا وجه لقولهم: "قضى بالمعاصي" على معنى:"أمر بها"؛ لأنه تعالى قد أكذب مدّعي ذلك بقوله: [إنّ الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون](3).
ولا معنى لقول من زعم أنّه "قضى بالمعاصي" على معنى أنّه "أعلم الخلق بها" إذا كان الخلق لا يعلمون أنهم في المستقبل يطيعون أو يعصون، ولا يحيطون علماً بما يكون في المستقبل على التفصيل.
ولا وجه لقولهم: إنه "قضى بالذنوب" على معنى: أنّه "حكم بها بين العباد"؛ لأن
__________________________________
1 ـ ابن المعلم في شرح عقائد الصدوق، أو تصحيح الاعتقاد: 189.
2 ـ السجدة: 7.
3 ـ الأعراف: 28.