ـ(34)ـ
وحكم بينهم بالحق، وفصل بينهم بالحق)(1).
ويتبين بالمقارنة وتحليل الشواهد المستعملة في التحليل: إنّ ابن حزم يتفق مع ابن المعلم في فهم "القضاء" بمعنى: "الحكم"، و"الأمر"، و"الإعلام" أي: الإخبار، وينحصر الخلاف بينهما في فهم ابن المعلم للقضاء في معناه الرابع بمعنى: "الخلق"، وفهم ابن حزم لـه بمعنى: "الإرادة".
فإذا قال الله تعالى: [إذا قضى أمراً فإنما يقول لـه كن فيكون](2) فإن "القضاء" محتمل ها هنا لمعنى: الإرادة كما قال ابن حزم، ولمعنى: الخلق كما يقول ابن المعلم.
أما قوله تعالى: [فقضاهن سبع سموات في يومين] فمن الصعب فهم القضاء هنا بمعنى: الإرادة، فمعنى الخلق هو المراد، ولما كان الخلق متضمناً لمعنى الإرادة فإنه يشمله، لكن العكس غير صحيح. وبهذا يتبين إنّ تحليل ابن المعلم أكثر دقة من تحليل ابن حزم.
وقبل إنّ نعرض تحليل ابن المعلم لمذهب الجبر الذي فهم "القضاء" الإلهي بمعنى: الإكراه والحتم ـ مما يتنافي كلياً مع نتائج التحليل اللغوي المنطقي السابق لاستعمالات اللفظ في "اللغة" و"النصوص القرآنية" ـ نستعرض تحليلاً لمعنى "القدر"، هذا اللفظ الذي تعرض لكثير من التحريف والاستعمال.
وإن "القدر" في اللغة لفظ يفيد معنى: "القدرة" و"التقدير" والتقدير على وجوه من المعاني: أحدها: التروية والتفكير في تسوية أمر وتهيئته. والثاني: تقديره بعلامات.
والثالث: إنّ تنوي أمراً بعقدك (3). فإذا أطلق "التقدير" بحقه تعالى كان معناه: إنّ حكم الله وخلقه متصف بالقصد إليه، وبأنه فعل حسن أتقنت تسويته بالعلم الإلهي الكلي، وليس في أي من هذه المعاني ما يفيد الإكراه، أي: القوة القاهرة التي تسوق الإنسان إلى أمر قد كتب عليه ولايد لـه في إيجاده أو دفعه.
وبناء على ما سبق: قرر ابن حزم إنّ (معنى القدرة في اللغة العربية: الترتيب والحدّ
__________________________________
1 ـ شرح عقائد الصدوق (تصحيح الاعتقاد) للمفيد: 194.
2 ـ البقرة: 117 وآل عمران: 47.
3 ـ لسان العرب لابن منظور 5: 76 (مادة: جبر).